للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تمامها، فهي بمنزلةِ بعض الاسم، وبعضُ الاسم مبنى لا يستحِق الإعرابَ، وذلك نحوُ

قولك: "جاءني مَن عندك"، أي: الذي عندك. قال الله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ} (١)، إلَّا أنها تُفارِق "الذي" في أنها لا توصف كما توصف "الذي"، ولا

يوصَف بها كما يوصف بـ "الذي". ألا تراك تقول: "جاءني زيد الذي قام"، و"جاءني

الذي قام الظريف"، فتصف "الذي"، وتصف بها, ولا تفعل ذلك في "مَن"؛ لخروجها

عن شَبَهِ الأسماء المتمكِّنة، وشَبَهِها بالمضمرات بنَقْصِ لفظها. ألا ترى أنّها على حرفَيْن،

والأسماءُ الظاهرة لا تكون على أقل من ثلاثةِ أحرف. فلمّا بعُدتْ من الظاهر، لم

توصَف، ولم يوصَف بها. وليس كذلك "الذي" فإِنها على ثلاثة أحرف، إذ أصلُها "لَذِ"،

مثلُ: "عَم" و"شَج".

فإن قيل: إذا زعمتَ أنها لا تقع إلا على ذواتِ مَن يعقِل، فما تصنع بقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} (٢)، والذي يمشي على بطنه، والذي يمشي على أربع ليسوا من العُقلاء؛ لأنّ الذي يمشي على بطنه من جنسِ الحَيات، والذي يمشي على أربع من جنسِ الأنعام والخيل؟ فالجوابُ أنّه لما خلط ما يعقل وما لا يعقل، غَفبَ جانبَ من يعقل، وذلك أنه قال: "فَمِنهُمْ"، فجمع كنايةَ من يعقل وما لا يعقل بلفظِ ما يعقل، فلمّا كان كنايةُ الجمع الذي فيه ما يعقل وما لا يعقل مثلَ كناية الجمع الذي ليس فيه ما لا يعقل، كان تفصيلُه كذلك، ولِـ "مَن"، مواضعُ غيرُ ذلك تُذكَر فيما بعدُ.

وأمّا "مَا"، فتكون موصولة بمعنى "الذِي"، تحتاج من الصلة إلى مثلِ ما تحتاج وهي مبنيةٌ لِما ذكرناه في "مَنْ"، من أنها هي وما بعدها اسمٌ واحدٌ، فكانت كبعضِ الاسم. وهي تقع على ذواتِ ما لا يعقل وعلى صفاتِ من يعقل. قال الله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠)} (٣)، أي: يُذاب ما في بطونهم وجلودُهم وقال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا} (٤)، فأوقع "مَا" على ما كانوا يعبدون من الأصنام. وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (٥). وقد ذهب بعضهم إلى أنها تقع لِما يعقل بمعنَى "مَنْ"، واحتجّ بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} (٦)، وبقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥)} (٧). وحكى أبو زيد من قول الِعرَب: "سبْحَانَ مَا سَخرَكُن لنا"، فأجرى "مَا" على القديم سبحانه، وهذاَ ونحوُه محمول عَندنا على الصفة، وقد ذكرنا أنّها تقع على صفاتِ من يعقل، فقولُه: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، بمعنَى:


(١) الأنبياء: ١٩.
(٢) النور: ٤٥.
(٣) الحج:٢٠.
(٤) النحل: ٧٣.
(٥) النحل:٥٣.
(٦) النساء:٣.
(٧) الشمس: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>