للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمّا وقوعُها فاعلة، ففي غير الاستفهام والجزاء، وذلك إذا كانت موصولةٌ، أو نكرةٌ؛ لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، والفاعلُ لا يكون إلَّا بعد فعل، وأمّا المفعول فيكون في جميعِ ضروبها؛ لأنّ المفعول يجوز تقديمُه على فعله، نحو قولك: "مَنْ ضربتَ؟ " فـ "مَنْ" في موضع نصب.

وأقسامُها كأقسامِ "ما" في جميع مواضعها، إلَّا في وقوعها نكرة غيرَ موصوفة على ما ذكرناه في "ما"، نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} (١)، وفي التعجّب نحو: "ما أحسنَ زيدًا! " عند سيبويه وأصحابِه، فإنّ "مَنْ" لا تُستعمل في ذلك.

ولها ثلاثة مواضع: الأول: أن تكون موصولة بمعنى "الذِي" تحتاج إلى جملة بعدها تتِم بها اسمًا، وقد تقدّم شرحه.

الثاني: أن تكون استفهامًا، نحو قولك: "مَنْ قام؟ " و"مَنْ عندك؟ " فـ "مَنْ" في موضع رفع بالابتداء، وما بعدها الخبرُ. والذي يدل على ذلك أنّك لو أوقعتَ موقَعها اسمًا معربًا مما يظهر فيه الإعراب، لظهر فيه الرفعُ، نحو قولك: "أيُ إنسان عندك؟ " و"أيُّ رجلٍ قام؟ " قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (٢). وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (٣). وقال الشاعر [من الخفيف]:

٥٠٣ - مَن رأيتَ المَنُونُ خَلدْنَ أَمْ مَنْ ... ذا عليه مِن أَنْ يُضامَ خَفِيرُ


(١) البقرة: ٢٧١.
(٢) البقرة: ٢٥٥.
(٣) البقرة: ٢٤٥.
٥٠٣ - التخريج: البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ٨٧؛ وأمالي ابن الحاجب ٢/ ٦٥٤؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٠٦؛ ولسان العرب ١٣/ ٤١٥، ٤١٦ (منن).
شرح المفردات: المنون: الموت. خلّدن: خلَّدنه.
الإعراب: "من": اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ. "رأيت": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرّك، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "المنون": مبتدأ مرفوع بالضمّة. "خلدن": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والنون: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "أمْ": حرف عطف. "من": اسم استفهام مبني في محلّ رفع مبتدأ. "ذا": اسم إشارة مبني في محل رفع خبر "من". "عليه": جارّ ومجرور متعلقان بالخبر المقدم المحذوف. "من": حرف جر. "أن": حرف مصدري ناصب. "يضام": فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بالفتحة، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: هو. والمصدر المؤول من "أن يضام" في محل جرّ بحرف الجر (من)، والجارّ والمجرور متعلقان بالخبر المقدم المحذوف. "خفير": مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
جملة "من المنون خلدن": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "المنون خلدن": في محل رفع خبر المبتدأ (من). وجملة "خلدن": في محلّ رفع خبر "المنون". وجملة "من ذا": معطوفة على الأولى لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "عليه خفير": في محل رفع بدل من اسم إلإشارة (ذا).
والشاهد فيه قوله: "من رأيت المنون" و"من ذا" حيث جاءت "من" اسم استفهام في موضع رفع بالابتداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>