للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أنّ هذه الأسماء لمّا كانت أسماء لألفاظِ الأفعال، وواقعةً موقعَها، ومؤدِّيةً معناها، قويت دلالتُها عليها، فكان حكمُها في اللزوم والتعدّي كحكمها، فتكون لازمةً إذا كانت أسماءً لفعل لازم غير متناوِلٍ مفعولًا، نحوَ: "صَهْ"، و"مَهْ". فهذان اسمان لازمان؛ لأنّهما وقعا موقعَ فِعْل، هو كذلك، فكان ما ناب عنه كذلك لا يتعدّى إلَّا بوساطةِ حرف جرّ. وتكون متعدَّيةً، وذلك إذا كانت أسماءً لفعل متعدّ، نحوَ: "رُوَيْدَكَ زيدًا"، أي: أمْهِلْهُ، و"عليك بكرًا"، بمعنَى: الْزَمْهُ، وخُذْهُ من فَوْقك، و"دُونَكَ بكرًا" أي: تَناوَلْه من تَحْتك.

ومنها ما استُعمل تارةٌ لازمًا لا يتعدّى إِلا بواسطة حرف الجر، وتارة متعدّيًا، كـ"رُوَيْدَ"، و"هَلُمَّ". ونظيرُ الاسم من هذه الأسماء ما استُعمل تارةً لازمًا لا يتعدّى إلا بواسطة حرف الجرّ، وتارة متعديًا بنفسه في الأفعال الصريحة، ما جاء على صيغة واحدة، نحوُ: "وزنتُ زيدًا"، و"وزنتُ له"، و"كِلْتُه وكِلْتُ له". قال الله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (١). و"حيّهل" أيضًا ممّا يُستعمل لازمًا ومتعديًا بنفسه، وذلك على اختلافِ تقديرِ الفعل المسمّى، فإذا قلت: "حيّهَلَ الثَّرِيدَ"، فمعناه: أحْضِرْه، وقَرّبْه. فلمّا كان الفعلان متعدّيَيْن، كان الاسمُ الواقع موقعَهما كذلك، وتقول: "حيّهل بفلانٍ" بمعنَى: "إيتِ به"، فتصل الاسمَ بالباء كما كان الفعلُ المنوبُ عنه كذلك. وتقول: "حَيَّ على الصلاة"، أي: أقْبِلوا عليها. وقالوا: "حَي على الصَّبُوح" (٢)، وربما قالوا: "حيّ إلى كذا" بمعنَى: "سارِعوا إليه، وبادِروا"، فأمّا ما أنشده من قوله [من الطويل]:

بحيّهلا يزجون ... إلخ

فشاهدٌ على أن معناها الاستحثاث والعجلة، والبيت للنابغة الجعدي، أدخل حرف الجر على "حيّهلا"، وتركه على لفظه إذ كان مبنيًّا، والباء متعلقة بـ "يزجون". يقول: لعجلتهم يزجون المطايا بحيهلا على أنها متقدمة في السير، متقاذفة فيه، أي مترامية. وجعل التقاذف للسير توسّعًا, لأنه يكون فيه. وأما قوله:

وهيج الحيّ ... إلخ

فهو من أبيات الكتاب، والشاهد فيه إعرابُ "حيّهله"، ورفعُه. جَعَلَه- وإن كان مركّبًا من شيئَيْن- اسمًا واحدًا للصوت، ولم يُرِد به الدعاءَ، أي: كثير فيه هذا الصوتُ الذي معناه الدعاءُ. ومثله في جَعْله اسمًا واحدًا قولُ الآخر [من الرجز]:

٥٥٠ - هِئْهاؤُهُ وَحَيْهَلُهْ


(١) المطففين: ٣.
(٢) الصبوح: شراب الصباح.
٥٥٠ - التخريج: لم أقع على هذا الرجز فيما عدت إليه من مصادر. وفي الطبعتين: "هيهاؤه"، تحريف. =

<<  <  ج: ص:  >  >>