للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى المفرد كغيرها من ظروف الأمكنة، نحوِ: "أمامَك"، و"قُدامَك" ونحوِهما، فلما أُضيفت إلى الجملة، صارت إِضافُتها كلَا إضافةٍ، فأشبهتْ "قَبْلُ"، وَ"بَعْدُ" في قطعهما عن الإضافة، إلَّا أن الحركة في "حَيْثُ" لالتقاء الساكنين، وفي "قَبْلُ"، وَ"بَعْدُ" للبناء.

وحكى الكسائيّ عن بعض العرب الكسرَ في "حَيْث"، فيقول: "من حَيْثِ لا يعلمون"، فكَسَرَها مع إضافتها إلى الجملة، ووجهُ هذه اللغة أنهم أجروا "حَيْث"، وإن كانت مكانا، مُجرى ظروف الزمان في إضافتها إلى الجمل، وإذا أُضيفت إلى الجملة، كان فيها وجهان: الإعرابُ والبناءُ، نحوُ قوله [من الطويل]:

على حِينَ عاتبتُ المَشِيبَ على الصبَا ... وقلتُ: ألَما أصْحُ والشَيْبُ وازع (١)

ويروى: "على حينِ" بالكسر، فمن فتح، بناه، ومَن كسر، أعربه. ويجوز أن يكون من قال: "حَيْثِ" بناه أيضًا، إلَّا أنه كسر على أصل التقاء الساكنين، ولم يُبالِ الثقلَ، كما قالوا: "جَيْرِ"، و"وَيبِ"، فكسروا، وإن كان قبل الآخِر ياءٌ. ومن العرب من يضيف "حَيْثُ" إلى المفرد ويجرّه، أنشد ابنُ الأعرابي [من الطويل]:

ونَطْعُنُهُمْ حَيْثُ الحُبَى بَعْدَ ضَرْبهم ... ببِيضِ المَواضي حيثُ لي العَمائِمِ

فهذ بناه، وأضافه إلى المفرد، كما قال: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (٢)، فأضاف "لدن" مع كونه مبنيًّا ,ولم يمنعْه ذلك من الإضافة.

ولا يُجازَى بـ "حَيْثُ" كما جُوزي بأخواتها من نحوِ "أيْنَ"، و"أنى" من حيث كانت مضافة إلى الجملة بعدها. والإضافةُ مُوضِحة مُخصصةٌ، والجزاءُ يقتضي الإبهامَ، فيتنافى مع (٣) معنى الإضافة والجزاء، فلم يُجمع بينهما. فإذا أُريد ذلك، أُتي معها بمَا يقطعها عن الإضافة، ويصير الفعلَ بعدها مجزومًا بعد أن كان مجرورَ الموضع، ولا تفسير بدخولِ "مَا" عليها حرفًا، كما صارت "إذْ" عند سيبويه حرفًا بدخولِ "مَا" عليها، وذلك لقوةِ "حَيْثُ" وكثرةِ مواضعها، وتشعُّبِ لغاتها على ما سيوضح في موضعه من هذا الكتاب.

وقد يُستعمل "حَيْثُ" بمعنى الزمان، نحوَ قوله [من المديد]:

٦٣٣ - لِلفَتَى عَقْل يَعِيشُ به ... حَيْثُ تَهْدِي ساقَهُ قَدَمُهْ

فاعرفه.


(١) تقدم بالرقم ٣٨.
(٢) النمل: ٦.
(٣) سقطت كلمة "مع" في الطبعتين.
٦٣٣ - التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٨٦؛ وخزانة الأدب ٧/ ١٩؛ والدرر ٣/ ١٢٥؛ وسمط اللآلي ص ٣١٩؛ ولسان العرب ١٠/ ١٦٨ (سوق)، ١٥/ ٣٥٧ (هدى)؛ وبلا نسبة في مجالس ثعلب ص ٢٣٨؛ وهمع الهوامع ١/ ٢١٢. =

<<  <  ج: ص:  >  >>