للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رفع فعله بالمدينة، فحسبُ؛ لأنه لم يصحّ أنه صلى الجمعة بمكة، وعلى تقدير وقوعه بمكة منه، فليس ذلك في أكثر الأوقات، بل نادرٌ.

وربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات، فإنه -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبّحكم، ومسّاكم … " الحديث، رواه مسلم.

فربما لَحِقَه تَعَبٌ من ذلك، فاقتصر على الركعتين في بيته، وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي: "وأفضل الصلاة طول القنوت"؛ أي: القيام، فلعلها كانت أطول من أربع ركعات خِفَاف، أو متوسطات، وكما ترك قيام الليل ليلة المزدلفة في حجة الوداع، ونام حتى أصبح؛ لما تقدم له من الأعمال بعرفة من وقوفه من الزوال إلى ما بعد الغروب، واجتهاده في الدعاء، وسيره بعد الغروب إلى المزدلفة، فاقتصر فيها على صلاة المغرب والعشاء قصرًا، ورقد بقية ليله، مع كونه كان يقوم في الليل حتى تورّمت قدماه، ولكنه أراح نفسه؛ لما تقدّم في عرفة، ولما هو بصدده يوم النحر من كونه نحر بيده ثلاثًا وستين بدنة، وذهب إلى مكة لطواف الإفاضة، ورجع إلى منى. انتهى كلام العراقيّ رحمهُ اللهُ (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أقوال أهل العلم في قبلية الجمعة:

قال الحافظ ولي الدين رحمهُ اللهُ: قد أنكر جماعة كون الجمعة لها سنة قبلها، وبالغوا في إنكاره، وجعلوه بدعة، وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يؤذَّن للجمعة إلا بين يديه، وهو على المنبر، فلم يكن يصليها، وكذلك الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة.

وممن أنكر ذلك من متأخري الشافعية، وجعله من البِدَع، والحوادث الإمام شهاب الدين أبو شامة.

قال: ولم أر في كلام الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها.


(١) "طرح التثريب" ٣/ ٣٧ - ٤١، و"نيل الأوطار" ٣/ ٣٣٣ - ٣٣٤.