ذلك، والرب تعالى يعلم من مصلحة التأخير وحكمته، ما لم تعلموه، فقدّم بين يدي ذلك فتحًا قريبًا توطئة له وتمهيدًا.
ثم أخبرهم بأنه هو الذي أرسل رسوله بالهدى، ودين الحقّ؛ ليظهره على الدين كله، فقد تكفل الله لهذا الأمر بالتمام، والإظهار على جميع أديان أهل الأرض، ففي هذا تقوية لقلوبهم، وبشارة لهم، وتثبيت، وأن يكونوا على ثقةٌ من هذا الوعد الذي لا بدّ أن يُنجزه، فلا تظنوا أن ما وقع من الإغماض والقهر يوم الحديبية نصرة لعدوه، ولا تخليًا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه، كيف وقد أرسله بدينه الحقّ، ووعده أن يظهره على كل دين سواه.
ثم ذَكَّر - سبحانه - رسوله وحزبه الذين اختارهم له، ومدحهم بأحسن المدح، وذكر صفاتهم في التوراة والإنجيل، فكان في هذا أعظم البراهين على صدق من جاء بالتوراة، والإنجيل، والقرآن، وأن هؤلاء هم المذكورون في الكتب المتقدمة، بهذه الصفات المشهورة فيهم، لا كما يقول الكفار عنهم: إنهم متغلبون، طالبو ملك ودنيا، ولهذا لما رآهم نصارى الشام، وشاهدوا هديهم، وسيرتهم، وعَدْلهم، وعِلمهم، ورحمتهم، وزهدهم في الدنيا، ورغبتهم في الآخرة، قالوا: ما الذين صَحِبُوا المسيح بافضل من هؤلاء، وكان هؤلاء النصارى أعرف بالصحابة، وفضلهم، من الرافضة أعدائهم، والرافضة تصفهم بضدّ ما وصفهم الله به في هذه الآية، وغيرها، و:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}[الكهف: ١٧]. انتهى ما كتبه ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -، بطوله، وهو بحث نفيسٌ، وتحقيق أنيس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.