للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد]

أنه من خماسيّات المصنّف - رحمه الله -، وأنه مسلسل بالبصريين سوى يحيى، كما سبق.

شرح الحديث:

(عَنِ الْمُعَلَّى) بضمّ الميم، وتشديد اللام المفتوحة، (ابْنِ زِيَادٍ، رَدَّهُ)؛ أي: ردّ المعلّى الحديث، وأسنده (إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، رَدَّهُ)؛ أي: ردّ معاوية الحديث، وأسنده (إِلَى مَعْقِلِ) بفتح الميم، وكسر القاف، (ابْنِ يَسَارٍ) المزني - رضي الله عنه -، (رَدَّهُ)؛ أي: ردّ معقل الحديث، وأسنده (إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) إنما عدل عن الصيغ المعروفة إلى هذا؛ للاشتباه فيها، وعدم تيقّنه منها، فأتى بصيغة تحتمل الجميع، والله تعالى أعلم. (قَالَ) النبي - صلى الله عليه وسلم -: ("الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ)؛ أي: وقت الفتن، واختلاط الأمور، (كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ") في كثرة الثواب، أو يقال: المهاجر في الأول كان قليلًا؛ لعدم تمكّن أكثر الناس من ذلك، فهكذا العابد في الهرج قليل.

قال ابن العربيّ - رحمه الله -: وجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرّون فيه من دار الكفر وأهله، إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتن تعيَّن عاس المرء أن يفرّ بدينه من الفتنة إلى العبادة، ويهجر أولئك القوم، وتلك الحالة، وهو أحد أقسام الهجرة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: تقدَّم أن الهرج: الاختلاط، والارتباك، ويراد به هنا: الفتن، والقتل، واختلاط الناس بعضهم في بعض، فالمتمسك بالعبادة في ذلك الوقت، والمنقطع إليها المعتزل عن الناس أجره كأجر المهاجر إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه يناسبه من حيث إن المهاجر قد فرّ بدينه عمن يصدّه عنه إلى الاعتصام بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك هذا المنقطع للعبادة فرّ من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه، فهو على التحقيق قد هاجر إلى ربّه، وفرّ من جميع خلقه. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) "فيض القدير" ٤/ ٣٧٣.
(٢) "المفهم" ٧/ ٣٠٩.