للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً، فإذا كان يوم القيامة جمع هذه إلى تلك فرحم بها عباده"، ومنه قوله في الحديث الصحيح للجنة: "أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي"، كما قال للنار: "أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكلّ واحدة منكما ملؤها".

[فصل]

ولكن لفظ الروح والنفس يعبّر بهما عن عِدّة معان، فيراد بالروح الهواء الخارج من البدن، والهواء الداخل فيه، ويراد بالروح البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق، وهو الذي تسميه الأطباء الروح الحيواني، فهذان المعنيان غير الروح التي تفارق بالموت التي هي النفس.

ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه، كما يقال: رأيت زيدًا نفسه، وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦]، وقال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤]، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨]، وفي الحديث الصحيح إنه قال لأم المؤمنين: "لقد قلتُ بعدك أربع كلمات لو وُزنّ بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته"، وفي الحديث الصحيح الإلهيّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم".

فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفةً للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ.

وقد يُراد بلفظ النفس الدم يكون في الحيوان، كقول الفقهاء: ما له نَفْسٌ سائلة، وما ليس له نفس سائلة، ومنه يقال: نُفِست المرأة إذا حاضت، ونُفِست إذا نفسها ولدها، ومنه قيل: النفساء، ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاةِ نُفُوسُنَا … وَلَيْسَتْ علَى غَيْرِ الظُّبَاةِ تَسِيلُ