أما أبو موسى: فهو عبد الله بن قيس بن سُليم بن حَضّار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عَذَر بن وائل بن ناجية بن الْجُماهر بن الأشعر الأشعريّ مشهور باسمه وكنيته معًا، وأمه ظبية بنت وهب بن عَكّ أسلمت، وماتت بالمدينة، وكان هو سكن مكّة، وحالف سعيد بن العاص، ثم أسلم، وهاجر إلى الحبشة، وقيل: بل رجع إلى بلاد قومه، ولم يهاجر إلى الحبشة، وهذا قول الأكثر، فإن موسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقديّ لم يذكروه في مهاجرة الحبشة، وقدم المدينة بعد فتح خيبر، صادفت سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب، فقدموا جميعًا، واستعمله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على بعض اليمن؛ كزَبِيد، وعدن، وأعمالهما، واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة، فافتتح الأهواز، ثم أصبهان، ثم استعمله عثمان على الكوفة، ثم كان أحد الْحَكَمين بصِفِّين، ثم اعتزل الفريقين.
وأخرج ابن سعد، والطبريّ من طريق عبد الله بن بريدة، أنه وصف أبا موسى، فقال: كان خفيف الجسم، قصيرًا، أَثَطّ (١).
قال مجاهد عن الشعبيّ: كَتب عمر -رضي الله عنه- في وصيته: لا يُقَرّ لي عامل أكثر من سنة، وأقرّوا الأشعريّ أربع سنين، وكان حَسَن الصوت بالقرآن، وفي الصحيح المرفوع:"لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود"، وقال أبو عثمان النهديّ: ما سمعت صوت صَنْج، ولا بَرْبَط، ولا ناي أحسن من صوت أبي موسى بالقرآن، وكان عمر إذا رآه قال: ذَكِّرنا ربنا يا أَبا موسى، وفي رواية: شَوِّقنا إلى ربنا، فيقرأ عنده، وكان أبو موسى هو الذي فقَّه أهل البصرة،
(١) "الأثطّ": الذي ليس على عارضيه شعرٌ، وقيل: قليل شعر اللحية. قاله في "اللسان" ٣/ ٥٦٥.