للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فصل]

وأما قوله: "أين مسكن العقل فيه؟ "، فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلق بقلبه، كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: ٤٦]، وقيل لابن عباس: بماذا نِلْتَ العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، لكن لفظ القلب قد يراد به المضغة الصَّنَوْبَريّة الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفها علقة سوادء، كما في "الصحيحين" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه"، وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا، فإن قلب الشيء باطنه، كقلب الحنطة واللوزة والجوزة، ونحو ذلك، ومنه سُمّي القليب قليبًا؛ لأنه أخرج قلبه وهو باطنه، وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقلُ متعلق بدماغه أيضًا، ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ، كما يقوله كثير من الأطباء، ونُقِل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب، فإذا كَمُلَ. انتهى إلى الدماغ.

والتحقيق أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا، وما يتصف من العقل به يتعلق بهذا وهذا، لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة في القلب.

والعقلُ يراد به العلم، فالعلم والعمل الاختياريّ أصله الإرادة، وأصل الإرادة في القلب، والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصور المراد، فلا بد أن يكون القلب متصورًا، فيكون منه هذا وهذا، ويبتدئ ذلك من الدماغ، وآثاره صاعدة إلى الدماغ، فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء، وكلا القولين له وجه صحيح، وهذا مقدار ما وسعته هذه الأوراق، والله أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، لا تجده مفصّلًا عند غيره فاغتنمه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) راجع: "مجموع الفتاوى" ٩/ ٢٧١ - ٣٠٤.