للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طلقني ولك ألف، أو اخلعني ولك ألف، فإن ذلك بمنزلة قولها: بألف، أو على ألف.

وكذلك أيضًا لو قال: أنت حرّ، وعليك ألف، أو أنتِ طالق، وعليك ألف، فإنه كقوله: على ألف، أو بألف عند جمهور الفقهاء، والفرق بينهما قول شاذّ، ويقول أحد المتعاوضين للآخر: أعطيك هذا، وآخذ هذا، ونحو ذلك من العبارات، فيقول الآخر: نعم، وإن لم يكن أحدهما هو السبب للآخر دون العكس، فقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} قد يكون من هذا الباب، فكلٌّ من تعليم الربّ، وتقوى العبد يقارب الآخر، ويلازمه، ويقتضيه، فمتى علّمه الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك، ومتى اتّقاه زاده من العلم، وهَلُمّ جَرّا.

[[فصل]]

وأما قوله: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، وكلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسُكم" فيقتضي أصلين عظيمين.

أحدهما: وجوب التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة؛ كالطعام، ودفع المضرّة؛ كاللباس، وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدرةً مطلقةً، وإنما القدرة التي تحصل لبعض العباد تكون على بعض أسباب ذلك، ولهذا قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣]، وقال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] فالمأمور به هو المقدور للعباد، وكذلك قوله: {أَو إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَو مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} [البلد: ١٤ - ١٦]، وقوله: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦]، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨]، وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: ٤٧] فذَمّ من يترك المأمور به اكتفاءً بما يجري به القَدَر.

ومن هنا يُعرف أن السبب المأمور به، أو المباح لا ينافي وجوب التوكل