عليه، أو موجبًا عليه فضلًا عن أن يعلم ذلك بعقل أو غيره، وإذا كان كذلك فهذا الظلم الذي حرّمه على نفسه، هو ظُلم بلا ريب، وهو أمر ممكن مقدور عليه، وهو سبحانه يتركه مع قدرته عليه بمشيئته واختياره؛ لأنه عادل، ليس بظالم، كما يترك عقوبة الأنبياء والمؤمنين، وكما يترك أن يُحَمِّل البريء ذنوب المعتدين.
[[فصل]]
قوله:"وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا" ينبغي أن يُعْرَف أن هذا الحديث شريف القَدْر، عظيم المنزلة، ولهذا كان الإمام أحمد يقول: هو أشرف حديث لأهل الشام، وكان أبو إدريس الخولانيّ إذا حدّث به جثا على ركبتيه، وراويه أبو ذرّ الذي ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجةً منه، وهو من الأحاديث الإلهية التي رواها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل -، وأخبر أنها من كلام الله تعالى، وإن لم تكن قرآنًا، وقد جمع في هذا الباب زاهر السحاميّ، وعبد الغنيّ المقدسيّ، وأبو عبد الله المقدسيّ، وغيرهما (١).
وهذا الحديث قد تضمَّن من قواعد الدين العظيمة في العلوم، والأعمال، والأصول، والفروع، فإن تلك الجملة الأولى، وهي قوله:"حَرَّمت الظلم على نفسي" تتضمَّن جُلّ مسائل الصفات والقَدَر؛ إذا أُعطيت حقّها من التفسير، وإنما ذكرنا فيها ما لا بدّ من التنبيه عليه، من أوائل النكت الجامعة.
وأما هذه الجملة الثانية، وهي قوله:"وجعلته بينكم محرّمًا بينكم، فلا تظالموا"، فإنها تجمع الدين كلّه، فإن ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكلّ ما أمر به راجع إلى العدل.
ولهذا قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}[الحديد: ٢٥]، فأخبر أنه أرسل الرسل، وأنزل الكتاب والميزان؛ لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به يُنصر هذا
(١) هكذا النسخة، والظاهر: وغيرهم، والله تعالى أعلم.