للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(٤٠) - (بَابُ بَيَانِ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ)

(اعلم): أن "الصفا"، و"المروة" جبلا السعي اللذان يُسعى من أحدهما إلى الآخر. و"الصفا" في الأصل، جمع صَفَاة، وهي الصخرة، والحجر الأملس، و"المروة" في الأصل حجر أبيض برّاق، وقيل: هي الحجارة التي تُقدح منها النار.

وقال أبو عبد الله القرطبيّ رحمهُ اللهُ في "تفسيره": أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس، وهو هنا جبل بمكة معروف، وكذلك المروة جبل أيضًا، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف. وذَكّر الصفا لأن آدم عليه السَّلام وقف عليه، فسمي به، ووقفت حوّاء على المروة، فسميت باسم المرأة، فأنّث لذلك.

وقال الشعبيّ: كان على الصفا صنم يسمى إسافًا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة، فاطَّرَد ذلك في التذكير والتأنيث، وقدّم المذكر، وهذا حسن؛ لأن الأحاديث المذكورة تدلّ على هذا المعنى، وما كان كراهة من كره الطواف بينهما إلا من أجل هذا؛ حتى رفع الله الحرج في ذلك.

وزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة، فمسخهما الله حجرين، فوضعهما على الصفا والمروة؛ ليُعتبر بهما؛ فلما طالت المدة عُبدا من دون الله.

والصفا مقصور: جمع صفاة، وهي الحجارة الْمُلْسُ، وقيل: الصفا اسم مفرد، وجمعه صُفِيّ -بضم الصاد-، وأصفاء، على مثل أرحاء، قال الراجز:

كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنَ النَّفِيِّ … مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ

وقيل: من شروط الصفا البياض، والصلابة، واشتقاقه من صفا يصفو: أي خَلَص من التراب والطين.

والمروة: واحدة المرو، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين، وقد قيل: إنها الصلاب، والصحيح أن المرو الحجارة صليبها، ورخوها الذي يتشظّى، وترقّ حاشيته، وفي هذا يقال: المرو أكثر، ويقال في الصليب، قال الشاعر [من الرمل]: