للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: رَوَينا في هذا الباب ثلاثة أخبار، أَجْمَعَ أهلُ العلم على القول بأحدها وتثبيته، واختلفوا في الخبرين الآخرين، فأَثبتت القول بهما فرقة، ونَفَت فرقة القول بهما، ونَفَت فرقة القول بأحدهما، وأثبتت القول بالآخر، ثم قال:

ذكر الخبر الذي أَجمع أهل العلم على القول به وتثبيته

ثم أخرج بسنده حديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور هنا.

ثم قال: اختَلَف أصحابنا بعد إجماعهم على صحة هذا الخبر في المعنى الذي له أمرها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة، وأمره إياها بالصلاة عند إدبارها، فكان الشافعي يقول: يدُلّ حديث عائشة هذا على أن فاطمة بنت أبي حُبيش كان دم استحاضتها منفصلًا، من دم حيضها؛ لجواب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أنه قال: "إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم، وصلي"، فنقول: إذا كان الدم ينفصل، فيكون في أيام قانئًا ثخينًا مُحتَدِمًا يَضرِب الى السواد، له رائحة، فتلك الحيضة نفسُها، فلتدع الصلاة، فإذا ذهب ذلك الدم، وجاءها الدم الأحمر الرقيق الْمُشرِق، فهو عِرْق، وليست بالحيضة، وهو الطُّهور، وعليها أن تغتسل، وتصلي.

وكان أحمد بن حنبل، وإسحاق يقولان: وإذا كانت في معنى فاطمة، كان الجواب فيه كما أجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة، وهذه إذا كان دمها ينفصل، وقال أبو عبيد بمثل هذا المعنى.

وكان الأوزاعيّ يقول: لا يُوَقَّت في المستحاضة إذا لم يُعْرَف وقتُ نسائها، ولم يكن لها أيام تُعْرَف فيما مضى، أخذنا بهذا الحديث: "إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة"، قال الأوزاعي: وإقبالها سواد الدم، ونَتْنه، وتغيُّره لا يدوم عليها؛ لأنه لو دام عليها قتلها، فإذا اسودّ الدم، فهو حيض، فإذا أدبرت الحيضة، فصارت صُفْرة أو كُدْرة، فهي استحاضة.

قال ابن المنذر: وذهب غيرهم من أصحابنا إلى غير هذا المعنى، وقال: إنما أمرها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأن تَدَع الصلاة قدر أيامها المعروفة، كان عندها قبل أن تُستحاض، قال: وذلك بَيِّنٌ في الأخبار الثابتة بالأسانيد المتصلة، يُستَغنى بظاهرها عن غيرها.