للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ: لا تدل قصة عائشة -رضي الله عنها- هذه على أن الغيرى لا تؤاخذ بما يصدر منها؛ لأن الغيرة هنا جزء سبب، وذلك أن عائشة -رضي الله عنها- اجتمع فيها حينئذ الغيرة، وصِغَر السن، والإدلال، قال: فإحالة الصفح عنها على الغيرة وحدها تحكّم، نَعَم الحامل لها على ما قالت الغيرة؛ لأنها هي التي نَصّت عليها بقولها: "فغِرتُ"، وأما الصفح، فيَحْتَمِل أن يكون لأجل الغيرة وحدها، ويَحْتَمِل أن يكون لها ولغيرها من الشباب، والإدلال.

وتعقّب الحافظ هذا، فقال: الغيرة محقَّقة بتنصيصها، والشباب محتاج إلى دليل، فإنه -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها، وهي بنت تسع، وذلك في أول زمن البلوغ، فمن أين له أن ذلك القول وقع في أوائل دخوله عليها، وهي بنت تسع؟ وأما إدلال المحبة فليس موجبًا للصفح عن حقّ الغير، بخلاف الغيرة، فإنما يقع الصفح بها؛ لأن من يحصل لها الغيرة لا تكون في كمال عقلها، فلهذا تصدر منها أمور لا تصدر منها في حال عدم الغيرة، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله- (١)، وهو تحقيقٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}

(١٣) - (بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ عَائِشَةَ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها-)

هي: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها- تقدم نَسَبها في ترجمة والدها عبد الله بن عثمان -رضي الله عنهم-، وأمها أم رُومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، وُلدت بعد المبعث بأربع سنين، أو خمس، فقد ثبت في "الصحيح" أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تزوجها، وهي بنت ست، وقيل: سبع، ويُجمع بأنها كانت أكملت السادسة، ودخلت في السابعة، ودخل بها وهي بنت تسع، وكان دخوله بها في شوال في السنة الأولى، كما أخرجه ابن سعد عن الواقديّ، عن أبي الرجال، عن أبيه، عن أمه عمرة، عنها، قالت: أعرس بي على رأس ثمانية أشهر، وقيل: في السنة الثانية من الهجرة، وقال الزبير بن بكار: تزوجها بعد موت خديجة، قيل: بثلاث سنين.


(١) "الفتح" ٨/ ٥٢٩، ٥٣٠، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٨٢١).