تَرَادَفَتِ الأَشْوَاقُ وَاضْطَرَمَ الْحَشَا … فَمَنْ ذَا لَهُ صَبْرٌ وَتَضْرَمُ أَحْشَاهُ
وَأَسْرَى بِنَا الْحَادِي فَأَمْعَنَ فِي السُّرَى … وَوَلَّى الْكَرَى نَوْمَ الْجُفُونِ نَفَيْنَاهُ
[الإحرام من الميقات]
وَلَمَّا بَدَا مِيقَاتُ إِحْرَامِ حَجِّنَا … نَزَلْنَا بِهِ وَالْعِيسَ فِيهِ أَنَخْنَاهُ
لِيَغْتَسِلَ الْحُجَّاجُ فِيهِ وَيُحْرِمُوا … فَمِنْهُ نُلَبِّي رَبَّنَا لَا حُرِمْنَاهُ
وَنَادَى مُنَادٍ لَلْحَجِيج لِيُحْرِمُوا … فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ أَجَابَ ولَبّاهُ
وَجُرِّدَتِ الْقُمْصَانُ وَالْكلُّ أَحْرَمُوا … وَلَا لُبْسَ لَا طِيبٌ جَمِيعًا هَجَرْنَاهُ
وَلَا لَهْوَ لَا صَيْدٌ وَلَا نَقْرَبُ النِّسَا … وَلَا رَفَثٌ لَا فِسْقَ كُلًّا رَفَضْنَاهُ
وَصِرْنَا كَأَمْوَاتٍ لَفَفْنَا جُسُومَنَا … بِأَكْفَانِنَا كُلٌّ ذَلِيلٌ لِمَوْلَاهُ
لَعَلَّ يَرَى ذُلَّ الْعِبَادِ وَكَسْرَهُمْ … فَيَرْحَمَهُمْ رَبٌّ يُرَجّونَ رُحْمَاهُ
يُنَادُونَهُ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ذَا الْعُلَا … وَسَعْدَيْكَ كُلَّ الشِّرْكِ عَنْكَ نَفَيْنَاهُ
فَلَوْ كُنْتَ يَا هَذَا تُشَاهِدُ حَالَهُمْ … لأَبْكَاكَ ذَاكَ الْحَالُ فِي حَالِ مَرْآهُ
وُجُوهُهُمُ غُبْرٌ وَشُعْثٌ رُؤُوسُهُمْ … فَلَا رَأْسَ إِلَّا لِلإِلَهِ كَشَفْنَاهُ
لَبِسْنَا دُرُوعًا مِنْ خُضُوعٍ لِرَبِّنَا (١) … وَمَا كَانَ مِنْ دِرْعِ الْمَعَاصِي خَلَعْنَاهُ
وَذَاكَ قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ ذُنُوبِنَا … فَيَا طَالَمَا رَبُّ الْعِبَادِ عَصَيْنَاهُ
إِلَى زَمْزَمٍ زُمَّتْ رِكَابُ مَطِيِّنَا … وَنَحْوَ الصَّفَا عِيسَ الْوُفُودِ صَفَفْنَاهُ
نَؤُمُّ مَقَامًا لِلْخَلِيلِ مُعَظَّمًا … إِلَيْهِ اسْتَبَقْنَا وَالرِّكَابَ حَثَثْنَاهُ
وَنَحْنُ نُلَبِّي فِي صُعُودٍ وَمَهْبَطٍ … كَذَا حَالُنَا فِي كُلِّ مَرْقًى رَقِينَاهُ
وَكَمْ نَشَزٍ عَالٍ عَلَتْهُ وُفُودُنَا … وَتَعْلُو بِهِ الأَصْوَاتُ حِينَ عَلَوْنَاهُ
نَحُجُّ لِبَيْتٍ حَجَّهُ الرُّسْلُ قَبْلَنَا … لِنَشْهَدَ نَفْعًا فِي الْكِتَابِ وُعِدْنَاهُ
دَعَانَا إِلَيْهِ اللهُ قَبْلَ بِنَائِهِ … فَقُلْنَا لَهُ لَبَّيْكَ دَاعٍ أَجَبْنَاهُ
أَتَيْنَاكَ لَبَّيْنَاكَ جِئْنَاكَ رَبَّنَا … إِلَيْكَ هَرَبْنَا وَالأَنَامَ تَرَكْنَاهُ
وَوَجْهَكَ نَبْغِي أَنْتَ لِلْقَلْبِ قِبْلَةٌ … إِذَا مَا حَجَجْنَا أَنْتَ لِلْحَجِّ رُمْنَاهُ
فَمَا الْبَيْتُ مَا الأَرْكَانُ مَا الْحِجْرُ مَا الصَّفَا … وَمَا زَمْزَمٌ أَنْتَ الَّذِي قَدْ قَصَدْنَاهُ
(١) وفي نسخة: "مِنْ خُضُوعِ ذُنُوبِنَا".