سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، وثبت في "صحيح مسلم" وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول هذا في سجوده، وقد رَوَى الترمذيّ وغيره أنه كان يقوله في قنوت الوتر، وإن كان في هذا الحديث نظر، فالأول صحيح ثابت.
[فصل]
وأما سؤال السائل: "هل هو جوهرٌ أو عرضٌ؟ "، فلفظ "الجوهر" فيه إجمال، ومعلوم أنه لم يُرِد بالسؤال الجوهر في اللغة، مع أنه قد قيل: إن لفظ الجوهر ليس من لغة العرب وإنه مُعَرَّب، وإنما أراد السائل الجوهر في الاصطلاح من تقسيم الموجودات إلى جوهر وعَرَض، وهؤلاء منهم من يُريد بالجوهر الْمُتَحَيِّز، فيكون الجسم المتحيز عندهم جوهرًا، وقد يريدون به الجوهر الفرد، وهو الجزء الذي لا يتجزأ، والعقلاء متنازعون في إثبات هذا، وهو أن الأجسام هل هي مركبة من الجواهر المفردة أم من المادّة والصورة، أم ليست مركبة من هذا ولا من هذا؟ على ثلاثة أقوال:
أصحها الثالث أنها ليست مركبةً لا من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة، وهذا قول كثير من طوائف أهل الكلام، كالهشامية، والضرارية، والنجارية، والكلابية، وكثير من الكرامية، وهو قول جمهور الفقهاء، وأهل الحديث، والصوفية، وغيرهم، بل هو قول أكثر العقلاء، كما قد بُسِط في موضعه.
والقائلون بأن لفظ الجوهر يقال على المتحيِّز، متنازعون هل يمكن وجود جوهر ليس بمتحيز؟ ثم هؤلاء منهم من يقول: كل موجود فإما جوهر وإما عَرَضٌ، وُيدخل الموجود الواجب في مسمى الجوهر، ومن هؤلاء من يقول: كل موجود فإما جسم أو عرض، ويُدخل الموجود الواجب في مسمى الجسم، وقد قال بهذا وبهذا طائفة من نظّار المسلمين وغيرهم، ومن المتفلسفة والنصارى مَن يسميه جوهرًا ولا يسميه جسمًا، وحَكَى عن بعض نظّار المسلمين أنه يسميه جسمًا ولا يسميه جوهرًا إلا أن الجسم عنده هو المشار إليه أو القائم بنفسه، والجوهر عنده هو الجوهر الفرد.
ولفظ "العرض" في اللغة له معنى وهو ما يَعْرِض ويزول، كما قال