للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكل مخلوق، وكلُّ واحد من صغار الحيوان لها حياة وقوة وعمل، وليست مماثلة للملائكة المخلوقين، فكيف يماثل رب العالمين شيئًا من المخلوقين!.

والله - سبحانه وتعالى - سَمَّى نفسه وصفاته بأسماء، وسَمّى بها بعض المخلوقات، فسمى نفسه حيًّا عليمًا سميعًا بصيرًا عزيزًا جبارًا متكبرًا ملكًا رؤوفًا رحيمًا وسَمّى بعض عباده عليمًا، وبعضهم حليمًا رؤوفًا رحيمًا، وبعضهم سميعًا بصيرًا، وبعضهم مَلِكًا، وبعضهم عزيزًا، وبعضهم جبارًا متكبرًا، ومعلوم أنه ليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم، ولا السميع كالسميع، وهكذا في سائر الأسماء، قال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠]، وقال: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: ٢٨]، وقال: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤]، وقال: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)} [الصافات: ١٠١]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٤٣]، وقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ٥٨]، وقال تعالى: {أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: ٢]، وكذلك سائر ما ذُكر، لكن الإنسان يعتبر بما عَرَفه ما لم يَعْرِف، ولولا ذلك لانسدت عليه طُرُق المعارف للأمور الغائبة.

وأما من جهة المقابلة، فيقال: من عَرَف نفسه بالعبودية عَرَف ربه بالربوبية، ومن عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغنى، ومن عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة، ومن عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالعلم، ومن عرف نفسه بالذلّ عرف ربه بالعزّ، وهكذا أمثال ذلك، لأن العبد ليس له من نفسه إلا العدم، وصفات النقص كلها ترجع إلى العدم، وأما الرب تعالى فله صفات الكمال، وهي من لوازم ذاته يمتنع انفكاكه عن صفات الكمال أزلًا وأبدًا، ويمتنع عدمها؛ لأنه واجب الوجود أزلًا وأبدًا، وصفات كماله من لوازم ذاته، ويمتنع ارتفاع اللازم إلا بارتفاع الملزوم، فلا يُعْدَم شيء من صفات كماله إلا بعدم ذاته، وذاته يمتنع عليها العدم، فيمتنع على شيء من صفات كماله العدم.

وأما من جهة العجز والامتناع، فإنه يقال: إذا كانت نفس الإنسان التي هي أقرب الأشياء إليه، بل هي هويته، وهو لا يَعْرِف كيفيتها ولا يُحيط علمًا بحقيقتها، فالخالق جل جلاله أولى أن لا يَعلم العبد كيفيته ولا يحيط علمًا بحقيقته، ولهذا قال أفضل الخلق وأعلمهم بربه - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ برضاك من