للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النفر لم يسقط عنه الطواف، وهذا فيه نظرٌ؛ لأنه غير مفارق، فلا يلزمه وداع، كمن نواها قبل حل النفر، وإنما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وهذا ليس بنافر.

فأما الخارج من مكة فليس له أن يخرج حتى يُوَدِّع البيت بطواف، وهو واجب من تركه لزمه دم، وبذلك قال الحكم، وحمادٌ، والثوريّ، وإسحاق، وأبو ثور، وقال الشافعيّ في قول له: لا يجب بتركه شيء، وبه قال مالك، كما تقدم، لأنه يسقط عن الحائض، فلم يكن واجبًا.

قال: ولنا ما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلخ". ولمسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وليس في سقوطه عن المعذور ما يجوز سقوطه لغيره، كالصلاة تسقط عن الحائض، وتجب على غيرها، بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها دليل على وجوبه على غيرها؛ إذ لو كان ساقطًا عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك معنى. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من بيان أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وأدلّتهم أن الأرجح قول الجمهور، وهو وجوب طواف الوداع على الآفاقيّ، إلا الحائض والنفساء؛ لوضوح أحاديث الباب في ذلك، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[[تنبيهات]]

(الأول): قال ابن قُدامة رحمه اللهُ: إن أخّر طواف الزيارة، فطافه عند الخروج، ففيه روايتان: إحداهما: يجزئه عن طواف الوداع؛ لأنه أُمر أن يكون آخر عهده بالبيت، وقد فعل، ولأن ما شُرع لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه، كتحية المسجد بركعتين، تجزئ عنهما المكتوبة، وعنه -أي عن الإمام أحمد- لا يجزئه عن طواف الوداع؛ لأنهما عبادتان واجبتان، فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى، كالصلاتين الواجبتين. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن الرواية الأولى أرجح، لظهور


(١) "المغني" لابن قُدامة رحمه الله ٣/ ٢٣٦، ٢٣٧.