حجتها، فتأمله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(الثاني): إن طاف للوداع، ثم اشتغل بتجارة، أو إقامة فعليه إعادته، وبهذا قال عطاء، ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا طاف للوداع بعدما حلّ له النفر أجزأه، وإن أقام شهرًا، أو أكثر؛ لأنه طاف بعدما حل له النفر، فلم يلزمه إعادته، كما لو نفر عقيبه.
وحجة الأولين ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينفرنّ أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت"، ولأنه إذا أقام بعده خرج عن أن يكون وداعًا في العادة، فلم يجزئه، كما لو طافه قبل حل النفر، قاله ابن قُدامة رحمه اللهُ.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما ذهب إليه الأولون أرجح؛ لظاهر الحديث، فتأمله، والله تعالى أعلم.
فأما إن قضى حاجةً في طريقه، أو اشترى زادًا، أو شيئًا لنفسه في طريقه لم يُعِده؛ لأن ذلك ليس بإقامة تُخرِج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت، وبهذا قال مالك، والشافعي، قال ابن قُدامة: ولا نعلم مخالفًا لهما، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(الثالث): إن خرج قبل طواف الوداع رجع فطاف، إن كان بالقرب، وإن بَعُدَ بعث بدم، هذا قول عطاء، والثوريّ، والشافعيّ، وإسحاق وأبي ثور.
قال ابن قُدامة رحمه اللهُ: والقريب هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، والبعيد من بلغ مسافة القصر، نَصّ عليه أحمد، وهو قول الشافعيّ، وقال الثوريّ: حدّ ذلك الحرم، فمن كان في الحرم فهو قريب، ومن خرج منه فهو بعيد، وإن لم يمكنه الرجوع لعذر، فهو كالبعيد، ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في طواف الوداع للحائض: قال الإمام ابن المنذر رحمه اللهُ: قال عامة الفقهاء بالأمصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع، وروينا عن عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت، أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع،