وكأنهم أوجبوه عليها، كما يجب عليها طواف الإفاضة؛ إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها، ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: طافت امرأة بالبيت يوم النحر، ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر، وتطوف بالبيت، قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر، وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر، فخالفناه؛ لثبوت حديث عائشة.
وأشار برجوع ابن عمر إلى ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" بعد حديث ابن عبّاس هذا عن طاوس قال: وسمعت ابن عمر يقول: إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعدُ: إن الله عزّ وجلّ رخّص لهنّ.
وأشار برجوع زيد بن ثابت إلى ما يأتي لمسلم في الحديث التالي.
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد: كان الصحابة يقولون: إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض، فقد فرغت، إلا عمر، فإنه كان يقول: يكون آخر عهدها بالبيت، وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- غيره، فروى أحمد، وأبو داود، والنسائىّ، والطحاويّ، واللفظ لأبي داود، من طريق الوليد بن عبد الرحمن، عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفيّ، قال: أتيت عمر، فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر، ثم تحيض، قال: ليكن آخر عهدها بالبيت، فقال الحارث: كذلك أفتاني، وفي رواية أبي داود: هكذا حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
واستدل الطحاويّ بحديث عائشة -رضي الله عنها- على نسخ حديث الحارث في حق الحائض، وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سليم -رضي الله عنها- عند أبي داود الطيالسيّ أنها قالت: حِضتُ بعدما طُفت بالبيت، فأمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أنفر. انتهى (١).
وقال ابن قدامة رحمه اللهُ: المرأة إذا حاضت قبل أن تُوَدِّع خرجت، ولا وداع عليها، ولا فدية، وهذا قول عامة فقهاء الأمصار، وقد رُوي عن عمر، وابنه أنهما أمرا الحائض بالمقام لطواف الوداع، وكان زيد بن ثابت يقول به، ثم رجع عنه، كما روى مسلم، ورُوي عن ابن عمر أنه رجع إلى قول الجماعة