شيئًا"؛ إذ مُلكه هو قدرته على التصرف، فلا تزداد بطاعتهم، ولا تنقص بمعصيتهم، كما تزداد قدرة الملوك بكثرة المطيعين لهم، وتنقص بقلّة المطيعين لهم، فإن مُلكه متعلّق بنفسه، وهو خالق كل شيء، وربه، ومليكه، وهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء.
والمُلك قد يراد به القدرة على التصرف والتدبير، ويراد به نفس التدبير والتصرف، ويراد به المملوك نفسه الذي هو محل التدبير، ويراد به ذلك كلّه، وبكل حال فليس بِرّ الأبرار، وفجور الفجّار موجبًا لزيادة شيء من ذلك، ولا نقصه، بل هو بمشيئته وقدرته يخلق ما يشاء، فلو شاء أن يخلق مع فجور الفجار ما شاء لم يمنعه من ذلك مانع، كما يمنع الملوك فجور رعاياهم التي تعارض أوامرهم عما يختارونه من ذلك، ولو شاء أن لا يخلق مع برّ الأبرار شيئًا مما خَلَقه، لم يكن برّهم محوجًا له إلى ذلك، ولا مُعِينًا له، كما يحتاج الملوك، ويستعينون بكثرة الرعايا المطيعين.
[[فصل]]
ثم ذكر حالهم في النوعين، سؤال برّه وطاعة أمره اللَّذَين ذكرهما في الحديث، حيث ذَكَر الاستهداء، والاستطعام، والاستكساء، وذكَرَ الغفران، والبرّ، والفجور، فقال: "لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، كانوا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كلَّ إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر"، والْخِياط والْمَخيط: ما يُخاط به؛ إذ الفِعَال والْمِفعَل والْمِفعَال من صيغ الآلات التي يُفعل بها؛ كالْمِسْعَر، والْمِخلاب، والمنشار، فبَيَّن أن جميع الخلائق إذا سألوا، وهم في مكان واحد، وزمان واحد، فأعطى كل إنسان منهم مسألته لم ينقصه ذلك مما عنده، إلا كما ينقص الخياط، وهي الإبرة إذا غُمس في البحر.
وقوله: "لم ينقص مما عندي" فيه قولان:
أحدهما: أنه يدلّ على أن عنده أمورًا موجودة يعطيهم منها ما سألوه إياه، وعلى هذا، فيقال: لفظ النقص على حاله؛ لأن الإعطاء من الكثير، وإن كان قليلًا، فلا بدّ أن ينقصه شيئًا ما، ومن رواه: لم ينقص من ملكي، يَحْمِل