على ما عنده، كما في هذا اللفظ، فإن قوله:"مما عندي" فيه تخصيص، ليس هو في قوله:"من ملكي"، وقد يقال: الْمُعْطَى إما أن يكون أعيانًا قائمةً بنفسها، أو صفات قائمة بغيرها، فأما الأعيان فقد تُنقل من محل إلى محلّ، فيظهر النقص في المحل الأول، وأما الصفات فلا تنقل من محلها، وإن وُجد نظيرها في محلّ آخر، كما يوجد نظير علم المعلِّم في قلب المتعلِّم من غير زوال علم المعلم، وكما يتكلم المتكلم بكلام المتكلم قبله، من غير انتقال كلام المتكلم الأول إلى الثاني، وعلى هذا فالصفات لا تُنقص مما عنده شيئًا، وهي من المسؤول؛ كالهدى.
وقد يجاب عن هذا بأنه هو من الممكن في بعض الصفات أن لا يثبت مثلها في المحل الثاني حتى تزول عن الأول؛ كاللون الذي ينقص، وكالروائح التي تعبق بمكان، وتزول كما دعا النبيّ على حُمَّى المدينة أن تنقل إلى مَهْيَعة، وهي الجحفة، وهل مثل هذا الانتقال بانتقال عين العَرَض الأول، أو بوجود مثله من غير انتقال عينه؟ فيه للناس قولان، إذ منهم من يجوّز انتقال الأعراض، بل من يجوّز أن تُجعل الأعراض أعيانًا، كما هو قول ضرار، والنجار، وأصحابهما؛ كبرغوث، وحفص الفرد، لكن إن قيل: هو بوجود مثله من غير انتقال عينه، فذلك يكون مع استحالة العَرَض الأول، وفنائه، فيُعدَم عن ذلك المحلّ، ويوجد مثله في المحلّ الثاني.
والقول الثاني: أن لفظ النقص هنا كلفظ النقص في حديث موسى والخضر الذي في "الصحيحين" من حديث ابن عباس، عن أُبَيّ بن كعب، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أن الخضر قال لموسى لَمّا وقع عصفور على قارِب السفينة، فنقر في البحر، فقال: يا موسى ما نقص علمي وعِلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ومن المعلوم أن نفس علم الله القائم بنفسه، لا يزول منه شيء بتعلم العباد، وإنما المقصود أن نسبة علمي وعلمك إلى علم الله؛ كنسبة ما عَلِق بمنقار العصفور إلى البحر.
ومن هذا الباب كون العلم يُورَث؛ كقوله:"العلماء ورثة الأنبياء"، ومنه قوله:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[النمل: ١٦]، ومنه توريث الكتاب أيضًا؛ كقوله:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}[فاطر: ٣٢]، ومثل هذه العبارة من