٣ - (ومنها) مشروعيّة التبرّك بآثار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبما مسّ جسده الشريف -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا مما لا خلاف فيه، وأما غيره فلا يقاس عليه، كما أسلفنا تحقيقه، واللَّه تعالى أعلم.
قال في "الفتح": قال ابن الْمُنَيِّر: أطال التفنن في هذه الترجمة ليرُدّ قول من زعم أن اللبن يُسكر كثيره، فردّ ذلك بالنصوص، وهو قول غير مستقيم؛ لأن اللبن لا يُسكر بمجرده، وإنما يتفق فيه ذلك نادرًا بصفة تَحْدُث، وقال غيره: قد زعم بعضهم أن اللبن إذا طال العهد به، وتغيّر صار يسكر، وهذا ربما يقع نادرًا، إن ثبت وقوعه، ولا يلزم منه تأثيم شاربه، إلا إن عَلِم أن عقله يذهب به، فشربه لذلك، نعم قد يقع السُّكْر باللبن إذا جُعل فيه ما يصير باختلاطه معه مُسْكِرًا، فيَحْرُم.
قال الحافظ: أخرج سعيد بن منصور بسند صحيح، عن ابن سيرين، أنه سمع ابن عمر يُسأل عن الأشربة، فقال: إن أهل كذا يتخذون من كذا وكذا خمرًا، حتى عَدّ خمسة أشربة، لَمْ أحفظ منها إلَّا العسل، والشعير، واللبن، قال: فكنت أهاب أن أحدِّث باللبن، حتى أُنبئت أنه بأرمينية يُصنع شراب من اللبن، لا يَلبَث صاحبه أن يُصْرَع.
واستَدَلّ بالآية المذكورة أول الباب على أنَّ الماء إذا تغيَّر، ثم طال مكثه حتى زال التغيّر بنفسه، ورجع إلى ما كان عليه أنه يطهر بذلك، وهذا في الكثير، وبغير النجاسة من القليل متّفقٌ عليه، وأما القليل المتغير بالنجاسة، ففيما إذا زال تغيّره بنفسه خلاف، هل يطهر؟ والمشهور عند المالكية: يطهر، وظاهر الاستدلال يُقَوِّي القول بالتطهير، لكن في الاستدلال به لذلك نظر، وقريب منه في البُعد استدلال من استدلّ به على طهارة المنيّ، وتقريره أن اللبن