وذكر الواقديّ أنه لما شَرب صبّ على رأسه، وذكر أبو ذرّ في "منسكه" عن عليّ - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا أفاض دعا بسجل من زمزم، فتوضّأ، وأخرجه أحمد أيضًا، وقال: دعا بسجل من ماء زمزم، فشرب منه، وتوضّأ، وأخرجه أيضًا من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، وفي رواية عنده أنهم لَمّا نزعوا الدلو، غسل منه وجهه، وتمضمض فيه، ثم أعادوه فيها، وكذلك أخرجه سعيد بن منصور.
قيل: ويستحبّ أن يشرب قائمًا، واستُدلّ له بما رواه البخاريّ من طريق عاصم، عن الشعبيّ أن ابن عباس حدّثهم قال: سقيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زمزم، فشرب، وهو قائم، قال عاصم: فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير.
قال في "المرعاة": وفي الاستدلال بهذا على استحباب الشرب من زمزم قائمًا نظر؛ لأنه يجوز أن يكون الأمر فيه على ما حلف عليه عكرمة، وهو أنه شرب، وهو على الراحلة، ويُطلق عليه قائم، ويكون ذلك مراد ابن عبّاس - رضي الله عنهما - من قوله:"قائمًا"، فلا يكون بينه وبين النهي عن الشرب قائمًا تضادّ، وبجوز أن يُحمل على ظاهره، وبكون دليلًا على إباحة الشرب قائمًا، يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - شربه قائمًا؛ لبيان الجواز، قيل: أو لعذر به في ذلك المقام من طين، أو زحام. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الأخير هو الأقرب، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
[[فوائد]]
(الأولى): أخرج أحمد، وابن ماجه من حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا:"ماء زمزم لما شُرب له"، وأخرجه الدارقطنيّ، من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، وزاد:"إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله به، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه الله، وهي هزمة جبريل، وسقيا الله إسماعيل"، وروى أبو داود الطيالسيّ من حديث أبي ذرّ مرفوعًا:"إنها مباركة، وإنها طعام طُعم، وشفاء سقم".
وقد شربه جماعة من العلماء لمآرب، فوجدوها، ونالوها.
أخرج الدينوري في "المجالسة" عن الحميدي - وهو شيخ البخاريّ -