أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن فيكون"، فذِكْرُهُ سبحانه أن عطاءه كلام، وعذابه كلام، يدلّ على أنه هو أراد بقوله: "من ملكي"، و"مما عندي"؛ أي: من مقدوري، فيكون هذا في القدرة؛ كحديث الخضر في العلم، والله أعلم.
ويؤيّد ذلك أن في اللفظ الآخر الذي في نسخة أبي مسهر: "لم ينقص ذلك من ملكي شيئًا، إلا كما ينقص البحر"، وهذا قد يقال فيه: إنه استثناء منقطع؛ أي: لم ينقص من ملكي شيئًا، لكن يكون حاله حال هذه النسبة، وقد يقال: بل هو تامّ، والمعنى على ما سبق.
[[فصل]]
ثم ختمه بتحقيق ما بيّنه فيه من عدله وإحسانه، فقال: "يا عبادي إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"، فبَيَّن أنه محسن إلى عباده في الجزاء على أعمالهم الصالحة إحسانًا يستحقّ به الحمد؛ لأنه هو المنعم بالأمر بها، والإرشاد إليها، والإعانة عليها، ثم إحصائها، ثم توفية جزائها، فكل ذلك فَضْل منه وإحسان؛ إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدلٌ، وهو وإن كان قد كتب على نفسه الرحمة، وكان حقًّا عليه نَصْر المؤمنين، كما تقدم بيانه، فليس وجوب ذلك كوجوب حقوق الناس بعضهم على بعض الذي يكون عدلًا لا فضلًا؛ لأن ذلك إنما يكون لكون بعض الناس أحسن إلى البعض، فاستحق المعاوضة، وكان إحسانه إليه بقدرة المحسن دون المحسَن إليه، ولهذا لم يكن المتعاوضان ليخصّ أحدهما بالتفضل على الآخر؛ لتكافؤهما، وهو قد بَيَّن في الحديث أن العباد لن يبلغوا ضرّه فيضرّوه، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه، فامتنع حينئذ أن يكون لأحد من جهة نفسه عليه حقّ، بل هو الذي أحقّ الحقّ على نفسه بكلماته، فهو المحسن بالإحسان وبإحقاقه، وكتابته على نفسه، فهو في كتابة الرحمة على نفسه، وإحقاقه نصر عباده المؤمنين، ونحو ذلك محسن إحسانًا مع إحسان.
فليتدبر اللبيب هذه التفاصيل التي يتبيَّن بها فصل الخطاب في هذه المواضع التي عظم فيها الاضطراب، فمن بَيْنِ موجِبٍ على ربه بالمنع أن يكون