وأما إذا احتيج إلى الإخبار عنه مثل أن يقال: ليس هو بقديم، ولا موجود، ولا ذات قائمة بنفسها، ونحو ذلك، فقيل في تحقيق الإثبات: هو سبحانه قديم موجود، وهو ذات قائمة بنفسها، وقيل: ليس بشيء، فقيل: بل هو شيء، فهذا سائغ، وإن كان لا يُدْعَى بمثل هذه الأسماء التي ليس فيها ما يَدُلُّ على المدح، كقول القائل: يا شيء، إذا كان هذا لفظًا يعم كل موجود، وكذلك لفظ ذات وموجود ونحو ذلك، إلا إذا سُمِّي بالموجود الذي يجده من طلبه، كقوله:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ}[النور: ٣٩]، فهذا أخصّ من الموجود الذي يعم الخالق والمخلوق.
إذا تبيّن هذا فالنفس وهي - الروح المدبرة لبدن الإنسان - هي من باب ما يقوم بنفسه التي تُسَمَّى جوهرًا وعينًا قائمة بنفسها، ليست من باب الأعراض التي هي صفات قائمة بغيرها.
وأما التعبير عنها بلفظ الجوهر والجسم، ففيه نزاع، بعضه اصطلاحي وبعضه معنويّ، فمَن عَنَى بالجوهر القائم بنفسه فهي جوهر، ومن عَنَى بالجسم ما يشار إليه، وقال: إنه يشار إليها فهي عنده جسم، ومن عَنَى بالجسم المركب من الجواهر المفردة أو المادّة والصورة، فبعض هؤلاء قال: إنها جسم أيضًا، ومَن عَنَى بالجوهر المتحيز القابل للقسمة، فمنهم من يقول: إنها جوهر، والصواب أنها ليست مركبة من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة، وليست من جنس الأجسام المتحيزات المشهودة المعهودة، وأما الإشارة إليها، فإنه يشار إليها، وتَصْعَد وتنزل، وتخرج من البدن، وتُسَلُّ منه كما جاءت بذلك النصوص، ودلت عليه الشواهد العقلية.
[فصل]
وأما قول القائل:"أين مسكنها من الجسد؟ "، فلا اختصاص للروح بشيء من الجسد، بل هي سارية في الجسد، كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد، فإن الحياة مشروطة بالروح، فإذا كانت الروح في الجسد كان فيه حياة، وإذا فارقته الروح فارقته الحياة.