للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به الكتب، وأرسل به الرسل، وضدّه الظلم، كما قال سبحانه: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا".

ولمّا كان العدل لا بدّ أن يتقدمه علم؛ إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل؟ والإنسان ظالم جاهل، إلا من تاب الله عليه، فصار عالمًا عادلًا، صار الناس من القضاة وغيرهم ثلاثة أصناف: العالم الجائر، والجاهل الظالم، فهذان من أهل النار، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة، رجل عَلِم الحقّ، وقضى به، فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار، ورجل عَلِم الحقّ، وقضى بخلافه، فهو في النار"، فهذان القسمان كما قال: من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ، ومن قال في القرآن برأيه فأخطأ، فليتبوأ مقعده من النار.

وكلُّ من حكم بين اثنين فهو قاض، سواء كان صاحب حرب، أو متولي ديوان، أو منتصبًا للاحتساب بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط، فإن الصحابة كانوا يعدّونه من الحكام، ولمّا كان الحكام مأمورين بالعدل والعلم، وكان المفروض إنما هو بما يَبْلُغه جهد الرجل، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد الحاكم، فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".

[[فصل]]

فلما ذكر في أول الحديث ما أوجبه من العدل، وحرّمه من الظلم على نفسه، وعلى عباده، ذَكَر بعد ذلك إحسانه إلى عباده، مع غناه عنهم، وفقرهم إليه، وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم، ولا دفع مضرّة إلا أن يكون هو الميسّر لذلك، وأمر العباد أن يسألوه ذلك، وأخبر أنهم لا يقدرون على نفعه، ولا ضرّه، مع عِظَم ما يوصل إليهم من النعماء، ويدفع عنهم من البلاء، وجلبُ المنفعة، ودفعُ المضرة إما أن يكون في الدين، أو في الدنيا، فصارت أربعة أقسام: الهداية والمغفرة، وهما جلب المنفعة، ودفع المضرّة في الدين، والطعام والكسوة، وهما جلب المنفعة، ودفع المضرّة في الدنيا، وإن شئت قلت: الهداية والمغفرة يتعلقان بالقلب الذي هو مَلِك البدن، وهو الأصل في