الأعمال الإرادية، والطعام والكسوة يتعلقان بالبدن، الطعام لجلب منفعته، واللباس لدفع مضرته.
وفَتَحَ الأمر بالهداية، فإنها وإن كانت الهداية النافعة هي المتعلقة بالدين، فكل أعمال الناس تابعة لهدى الله - عز وجل - إياهم، كما قال سبحانه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)} [الأعلى: ١ - ٣]، وقال موسى:{رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه: ٥٠]، وقال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)} [البلد: ١٠]، وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)} [الإنسان: ٣].
ولهذا قيل: الهدى أربعة أقسام:
أحدها: الهداية إلى مصالح الدنيا، فهذا مشترك بين الحيوان الناطق، والأعجم، وبين المؤمن والكافر.
والثاني: الهدى بمعنى دعاء الخلق إلى ما ينفعهم، وأمْرهم بذلك، وهو نَصْب الأدلة، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فهذا أيضًا يشترك فيه جميع المكلفين، سواء آمنوا، أو كفروا، كما قال تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧]، وقال تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد: ٧]، وقال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢]، فهذا مع قوله:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص: ٥٦] يبيّن أن الهدى الذي أثبته هو البيان، والدعاء، والأمر، والنهي، والتعليم، وما يتبع ذلك، ليس هو الهدى الذي نفاه، وهو القسم الثالث الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
والقسم الثالث: الهدى الذي هو جَعْلُ الهدى في القلوب، وهو الذي يسميه بعضهم بالإلهام، والإرشاد، وبعضهم يقول: هو خلق القدرة على الإيمان؛ كالتوفيق عندهم، ونحو ذلك، وهو بناء على أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل، فمن قال ذلك من أهل الإثبات جعل التوفيق والهدى ونحو ذلك خَلْق القدرة على الطاعة، وأما من قال: إنهما استطاعتان:
إحداهما: قبل الفعل، وهي الاستطاعة المشروطة في التكليف، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم