للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تستطع، فعلى جَنْب"، وهذه الاستطاعة يقترن بها الفعل تارةً، والترك أخرى، وهي الاستطاعة التي لم تَعرف القدرية غيرها، كما أن أولئك المخالفين لهم من أهل الإثبات لم يعرفوا إلا المقارنة، وأما الذي عليه المحققون من أئمة الفقه والحديث والكلام وغيرهم، فإثبات النوعين جميعًا، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع، فإن الأدلة الشرعية والعقلية تُثبت النوعين جميعًا.

والثانية: المقارنة للفعل، وهي الموجبة له، وهي المنفية عمن لم يفعل في مثل قوله: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: ٢٠]، وفي قوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: ١٠١]، وهذا الهدى الذي يكثر ذكره في القرآن في مثل قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦]، وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥]، وفي قوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: ١٧]، وأمثال ذلك.

وهذا هو الذي تنكر القدرية أن يكون الله هو الفاعل له، ويزعمون أن العبد هو الذي يهدي نفسه، وهذا الحديث وأمثاله حجة عليهم، حيث قال: "يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم" فأمَر العباد بأن يسألوه الهداية، كما أمرهم بذلك في "أم الكتاب" في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦] وعند القدرية أن الله لا يقدر من الهدى إلا على ما فعله من إرسال الرسل، ونَصْب الأدلة، وإزاحة العلة، ولا مزية عندهم للمؤمن على الكافر في هداية الله تعالى، ولا نعمة له على المؤمن أعظم من نعمته على الكافر في باب الهدى.

وقد بَيَّن الاختصاص في هذه بعد عموم الدعوة في قوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)} [يونس: ٢٥].

فقد جمع الحديث تنزيهه عن الظلم الذي يُجَوِّزه عليه بعض المثبتة، وبيان أنه هو الذي يهدي عباده ردًّا على القدرية، فأخبر هناك بعدله الذي يذكره بعض المثبتة، وأخبر هنا بإحسانه وقدرته الذي تنكره القدرية، وإن كان كل منهما قصده تعظيمًا لا يعرف ما اشتمل عليه قوله.

والقسم الرابع: الهدى في الآخرة، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ