وقوله:(وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ) قال النوويّ - رحمه الله -: هذا صريح في كونه ميقات أهل العراق، لكن ليس رفع الحديث ثابتًا كما سبق، وقد سبق الإجماع على أن ذات عرق ميقات أهل العراق، ومن في معناهم، قال الشافعيّ - رحمه الله -: ولو أَهَلُّوا من العقيق كان أفضل، والعقيق أبعد من ذات عرق بقليل، فاستحبه الشافعيّ؛ لأثر فيه، ولأنه قيل: إن ذات عرق كانت أوّلًا في موضعه، ثم حُوِّلت، وقُرِّبت إلى مكة، والله أعلم.
[تنبيه]: (اعلم): أن للحج ميقاتَ مكان، وهو ما سبق في هذه الأحاديث، وميقات زمان، وهو شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، ولا يجوز الإحرام بالحجّ في غير هذا الزمان، هذا مذهب الشافعيّ، ولو أحرم بالحج في غير هذا الزمان لم ينعقد حجًّا، وانعقد عمرةً، وأما العمرة فيجوز الإحرام بها وفعلها في جميع السنة، ولا يكره في شيء منها، لكن شرطها أن لا يكون في الحج، ولا مقيمًا على شيء من أفعاله، ولا يكره تكرار العمرة في السنة، بل يستحبّ عند الشافعيّة، والجمهور، وكَرِهَ تكرارَها في السنة ابنُ سيرين، ومالك، ويجوز الإحرام بالحجّ مما فوق الميقات أبعد من مكة، سواء دويرة أهله وغيرها، وأيهما أفضل؟ فيه قولان للشافعيّ: أصحهما: من الميقات أفضلُ؛ للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كذا ذكره النوويّ - رحمه الله -، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه:"التلبية": مصدر لَبّى: إذا قال: لبيك. قال الفيّوميّ - رحمه الله -: وألبّ بالمكان إلبابًا: أقام، ولبّ لبًّا، من باب قتل لغة فيه، وثُنّي هذا المصدر، مضافًا إلى كشاف المخاطب، وقيل: لبيك، وسعديك؛ أي: أنا ملازم طاعتك لزومًا بعد لُزوم، وعن الخليل أنهم ثنّوه على جهة التأكيد، وقال: اللبّ: الإقامة، وأصل لبيك: لبّين لك، فحُذفت النون للإضافة، وعن يونس أنه غير مثنى، بل اسم مفرد، يتّصل به الضمير بمنزلة "على"، و"لدى"،