محسنًا متفضلًا، ومن بَيْنِ مسوٍّ بين عدله وإحسانه، وما تنزه عنه من الظلم والعدوان، وجاعل الجميع نوعًا واحدًا، وكل ذلك حَيْدٌ عن سَنَن الصراط المستقيم، والله يقول الحقّ، وهو يهدي السبيل.
وكما بَيّن أنه محسن في الحسنات، متمّ إحسانه بإحصائها، والجزاء عليها، بَيَّن أنه عادل في الجزاء على السيئات، فقال:"ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"، كما تقدم بيانه في مثل قوله:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[هود: ١٠١]، وعلى هذا الأصل استقرّت الشريعة الموافقة لفطرة الله التي فطر الناس عليها، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاريّ، عن شداد بن أوس، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللَّهُمَّ أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك، ما استطعتُ، أعوذ بك من شرّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، ففي قوله:"أبوء لك بنعمتك عليّ" اعتراف بنعمته عليه في الحسنات، وغيرهما، وقوله:"وأبوء بذنبي" اعتراف منه بأنه مذنبٌ ظالم لنفسه، وبهذا يصير العبد شكورًا لربه، مستغفرًا لذنبه، فيستوجب مزيد الخير، وغفران الشرّ من الشكور الغفور الذي يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل.
وهنا انقسم الناس ثلاثة أقسام في إضافة الحسنات والسيئات التي هي الطاعات والمعاصي إلى ربهم، وإلى نفوسهم، فشرّهم الذي إذا أساء أضاف ذلك إلى القَدَر، واعتذر بأن القدر سبق بذلك، وأنه لا خروج له على القدر، فرَكَّب الحجة على ربه في ظلمه لنفسه، وإن أحسن أضاف ذلك إلى نفسه، ونسي نعمة الله عليه في تيسيره لليسرى، وهذا ليس مذهب طائفة من بني آدم، ولكنه حال شرار الجاهلين الظالمين الذين لا حَفِظوا حدود الأمر والنهي، ولا شَهِدوا حقيقة القضاء والقدر، كما قال فيهم الشيخ أبو الفرج ابن الجوزيّ: أنت عند الطاعة قدريّ، وعند المعصية جَبْريّ أيُّ مذهب وافق هواك تمذهبت به.
وخير الأقسام، وهو القسم المشروع، وهو الحقّ الذي جاءت به الشريعة، أنه إذا أحسن شُكر نعمة الله عليه، وحَمِده؛ إذ أنعم عليه بأن جعله محسنًا، ولم يجعله مسيئًا، فإنه فقير محتاج في ذاته وصفاته، وجميع حركاته