وسكناته إلى ربه، ولا حول ولا قوة إلا به، فلو لم يَهْده لم يَهتد، كما قال أهل الجنة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف: ٤٣] وإذا أساء اعترف بذنبه، واستغفر ربه، وتاب منه، وكان كأبيه آدم الذي قال:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣]، ولم يكن كإبليس الذي قال: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: ٣٩، ٤٠]، ولم يحتجّ بالقَدَر على ترك مأمور، ولا فِعل محظور، مع إيمانه بالقدر خيره وشرّه، وإن الله خالق كل شيء، وربه ومليكه، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه يهدي من يشاء، ويُضِلّ من يشاء، ونحو ذلك.
وهؤلاء هم الذين أطاعوا الله في قوله في الحديث الصحيح:"فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"، ولكن بَسَط ذلك، وتحقيق نسبة الذنب إلى النفس، مع العلم بأن الله خالق أفعال العباد فيه أسرار، ليس هذا موضعها، ومع هذا فقوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٨، ٧٩] ليس المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية الطاعات والمعاصي، كما يظنه كثير من الناس، حتى يحرّف بعضهم القرآن، ويقرأ:{فَمِنْ نَفْسِكَ} ومعلوم أن معنى هذه القراءة يناقض القراءة المتواترة، وحتى يُضمر بعضهم القول على وجه الإنكار له، وهو قول الله الحقّ، فيجعل قول الله الصدق الذي يحمد ويرضى قولًا للكفار، يكذّب به ويذُمّ، ويسخط بالإضمار الباطل الذي يدّعيه من غير أن يكون في السياق ما يدلّ عليه.
ثم إن من جَهْل هؤلاء ظنّهم أن في هذه الآية حجةً للقدرية، واحتجاج بعض القدرية بها، وذلك أنه لا خلاف بين الناس في أن الطاعات والمعاصي سواء من جهة القَدَر، فمن قال: إن العبد هو الموجد لفعله دون الله، أو هو الخالق لفعله، وأن الله لم يخلق أفعال العباد، فلا فرق عنده بين الطاعة والمعصية، ومن أثبت خلق الأفعال، وأثبت الجبر، أو نفاه، أو أمسك عن نفيه وإثباته مطلقًا، وفصل المعنى، أو لم يفصله، فلا فرق عنده بين الطاعة