والمعصية، فتبيّن أن إدخال هذه الآية في القَدَر في غاية الجهالة، وذلك أن الحسنات والسيئات في الآية المراد بها المسارّ والمضارّ، دون الطاعات والمعاصي، كما في قوله تعالى:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف: ١٦٨]، وهو الشرّ والخير في قوله:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥].
فهذه حال فرعون وملئه مع موسى ومن معه؛ كحال الكفار والمنافقين والظالمين مع محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إذا أصابهم نعمة وخير قالوا: لنا هذه، أو قالوا: هذه من عند الله، وإن أصابهم عذاب وشرّ تطيَّروا بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، وقالوا: هذه بذنوبهم، وإنما هي بذنوب أنفسهم، لا بذنوب المؤمنين، وهو سبحانه ذكر هذا في بيان حال الناكلين عن الجهاد الذين يلومون المؤمنين على الجهاد، فإذا أصابهم نَصْر ونحوه قالوا: هذا من عند الله، وإن أصابتهم محنة قالوا: هذه من عند هذا الذي جاءنا بالأمر والنهي والجهاد، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}[النساء: ٧١]- إلى قوله -: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}[النساء: ٧٢]- إلى قوله -: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ}[النساء: ٧٧]- إلى قوله تعالى -: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}[النساء: ٧٨]- أي: هؤلاء المذمومين - {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}[النساء: ٧٨]؛ أي: بسبب أمرك ونهيك، قال الله تعالى:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ}[النساء: ٧٨، ٧٩]- أي: من نعمة - {فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ