للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩]؛ أي: فبذنبك، كما قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]، وقال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الشورى: ٤٨].

وأما القسم الثالث في هذا الباب، فهم قوم لَبَسوا الحقّ بالباطل، وهم بين أهل الإيمان أهل الخير، وبين شرار الناس، وهم الخائضون في القدر بالباطل، فقوم يرون أنهم هم الذين يَهدون أنفسهم، ويُضلّونها، ويوجبون لها فعل الطاعة، وفعل المعصية، بغير إعانة منه تعالى، وتوفيق للطاعة، ولا خذلان منه في المعصية، وقوم لا يثبتون لأنفسهم فعلًا، ولا قدرةً، ولا أمرًا.

ثم من هؤلاء من ينحلّ عن الأمر والنهي، فيكون أكفر الخلق، وهم في احتجاجهم بالقدَر متناقضون؛ إذ لا بدّ من فعل يحبونه، وفعل يبغضونه، ولا بدّ لهم، ولكل أحد من دَفْع الضرر الحاصل بأفعال المعتدين، فإذا جعلوا الحسنات والسيئات سواسية، لم يمكنهم أن يذمّوا أحدًا، ولا يدفعوا ظالمًا، ولا يقابلوا مسيئًا، وأن يبيحوا للناس من أنفسهم كل ما يشتهيه مُشْتَهٍ (١)، ونحو ذلك من الأمور التي لا يعيش عليها بنو آدم؛ إذ هم مضطرون إلى شرع فيه أمر ونهي أعظم من اضطرارهم إلى الأكل واللباس.

وهذا باب واسع لشرحه موضع غير هذا، وإنما نبهنا على ما في الحديث من الكلمات الجامعة، والقواعد النافعة، بنُكَتٍ مختصرة تنبّه الفاضل على ما في الحقائق من الجوامع والفوارق التي تفصل بين الحقّ والباطل في هذه المضائق، بحسب ما احتملته أوراق السائل، والله ينفعنا، وسائر إخواننا المؤمنين بما عَلِمناه، ويعلّمنا ما ينفعنا، ويزيدنا علمًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ منه إلا إليه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، وأستغفر الله العظيم لي ولجميع إخواننا المؤمنين.

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد، وآله وسلم تسليمًا. انتهت رسالة شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - وهي رسالة ممتعة جدًّا، نافعة لكلّ من تأمَّلها، وعمل بما فيها، والله تعالى وليّ التوفيق، وهو الهادي إلى سواء


(١) هكذا العبارة، وتحتاج إلى تأمل؟؟؟، والله تعالى أعلم.