للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حتى حَفَر زمزم، فعفت على آبار مكة كلها، فكان منها يشرب الحاجّ، وكانت لعبد المطلب إبل كثيرة، فإذا كان الموسم جمعها، ثم يسقي لبنها بالعسل في حوض من آدم عند زمزم، ويشتري الزبيب، فينبِذه بماء زمزم، وكانت إذ ذاك غليظة جدًّا، وكان للناس أسقية كثيرة يستقون منها الماء، ثم ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر ليكثر غلظ الماء، وكان الماء العذب بمكة عزيزًا، لا يوجد إلا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون، وخارج من مكة، فلبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي، فقام بأمر السقاية بعده ابنه العباس بن عبد المطلب، فلم تزل في يده، وكان للعباس كرم بالطائف، فكان يحمل زبيبه، وكان يداين أهل الطائف، ويقتضي منهم الزبيب، فينبذ ذلك كله، ويسقيه الحاج في أيام الموسم، حتى مضت الجاهلية، وصدر من الإسلام، ثم أقرها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في يد العباس يوم الفتح، ثم لم تزل في يد العباس حتى توفي، فوليها بعده ابنه عبد الله بن عباس - رضي الله عنها -، فكان يفعل ذلك كفعله، ولا ينازعه فيها منازع، حتى توفي، فكانت بيد ابنه علي بن عبد الله، يفعل كفعل أبيه وجدّه، يأتيه الزبيب من الطائف، فينبذه حتى توفي، ثم كانت بيده إلى الآن. انتهى (١).

وأخرج الطبرانيّ بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم، وشرّ ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقبة حضرموت، كرجل الجراد من الهوام، تصبح تتدفق، وتمسي لا بلال فيها"، قال الهيثميّ بعد عزوه إلى الطبرانيّ: ورجاله ثقات، وصححه ابن حبّان (٢)، وبُرُهُوت بضمّ الموحّدة، والراء، والهاء، آخره تاء مثنّاة: بئر عميقة بحضرموت، لا يستطاع النزول إلى قعرها، ويقال: بُرْهوت، بضمّ الباء، وسكون الراء.

(فَنَاوَلُوهُ) أي: أعطوه (دَلْوًا، فَشَرِبَ مِنْهُ) أي: من الدلو، أو من الماء، وفيه دليل على استحباب الشرب للحاجّ من ماء زمزم.


(١) "تهذيب الأسماء واللغات" ٣/ ١٣١ - ١٣٢.
(٢) وصححه الشيخ الألبانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -. راجع: "الصحيحة" ٣/ ٤٤.