٥ - (ومنها): بيان أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينفرنّ إلخ" فيه دلالة على أن طواف الوداع لا يجب إلا على من أراد الخروج من مكة من أهل الآفاق، فلا يجب على أهل مكة؛ لأنهم لا ينفرون، قال ابن قُدامة رَحمه اللهُ: ومن كان منزله في الحرم، فهو كالمكيّ لا وداع عليه، ومن كان منزله خارج الحرم قريبًا منه فظاهر كلام الخرقيّ أنه لا يخرج حتى يودّع البيت، وهذا قول أبي ثور، وقال أصحاب الرأي في أهل المواقيت: إنهم بمنزلة أهل مكة في عدم وجوب طواف الوداع.
قال: ولنا عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، ولأنه خارج من مكة، فلزمه التوديع كالبعيد. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم طواف الوداع: قال النوويّ رحمه اللهُ: في الحديث دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع، وأنه إذا تركه لزمه دم، وهو الصحيح في مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء، منهم الحسن البصريّ، والحكم، وحمادٌ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأحمدُ، وإسحاق، وأبو ثور، وقال مالك، وداود، وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين. انتهى.
قال في "الفتح": والذي رأيته في "الأوسط" لابن المنذر أنه واجب؛ للأمر به، إلا أنه لا يجب بتركه شيء. انتهى.
قال الشوكانيّ رحمه اللهُ: قد اجتمع في طواف الوداع أمره -صلى الله عليه وسلم- به ونهيه عن تركه، وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب، ولا شك أن ذلك يفيد الوجوب.
وقال ابن قدامة رَحمه اللهُ: طواف الوداع واجب ينوب عنه الدم إذا تركه، وبهذا قال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوريّ والشافعيّ، وقال أيضًا: من أتى مكة لا يخلو إما أن يريد الإقامة بها، أو الخروج منها، فإن أقام بها فلا وداع عليه؛ لأن الوداع من المفارق، لا من الملازم، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده، وبهذا قال الشافعيّ، وقال أبو حنيفة: إن نوى الإقامة بعد أن حَلّ له