وبإزاء ذلك أن الضلال والمعاصي تكون بسبب الذنوب المتقدّمة، كما قال الله:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥]، وقال:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}[البقرة: ٨٨]، وقال:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة: ١٣]، وقال:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} - إلى قوله -: {لَا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام: ١٠٩]- إلى قوله -: {يَعْمَهُونَ}[الأنعام: ١١٠]، وهذا باب واسع.
ولهذا قال من قال من السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئةَ بعدها.
وقد شاع في لسان العامة أن قوله:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٢] من الباب الأول، حيث يستدلّون بذلك على أن التقوى سبب تعليم الله، وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدلالة؛ لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول رَبْط الجزاء بالشرط، فلم يقل: واتقوا الله يعلمكم، ولا قال: فيعلمكم، وإنما أتى بواو العطف، وليس من العطف ما يقتضي أن الأول سبب الثاني، وقد يقال: العطف قد يتضمن معنى الاقتران والتلازم، كما يقال: زرني وأزورك، وسلّم علينا ونسلّم عليك، ونحو ذلك مما يقتضيه اقتران الفعلين، والتعاوض من الطرفين، كما لو قال لسيده: أعتقني ولك عليّ ألف، أو قالت المرأة لزوجها: