على الله في وجوب السبب، بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب؛ إذ ليس في المخلوقات ما هو وحده سبب تامّ لحصول المطلوب، ولهذا لا يجب أن تقترن الحوادث بما قد يُجعل سببًا إلا بمشيئة الله تعالى، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
فمن ظنّ الاستغناء بالسبب عن التوكل فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل، وأخلّ بواجب التوحيد، ولهذا يُخذل أمثال هؤلاء إذا اعتمدوا على الأسباب، فمن رجا نصرًا أو رزقًا من غير الله خذله الله، كما قال عليّ - رضي الله عنه -: لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، وقد قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)} [فاطر: ٢]، وقال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}[يونس: ١٠٧]، وقال: {. . . قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوأَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)} [الزمر: ٣٨].
وهذا كما أن من أخذ يدخل في التوكل تاركًا لِمَا أُمر به من الأسباب، فهو أيضًا جاهل ظالم عاصٍ لله بترك ما أَمره، فإنّ فعلَ المأمور به عبادةٌ لله، وقد قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود: ١٢٣]، وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥]، وقال:{قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}[الرعد: ٣٠]، وقال شعيب - عليه السلام -: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، وقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)} [الشورى: ١٠]، وقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)} [الممتحنة: ٤]، فليس مَن فَعَل شيئًا أُمر به، وتَرَك ما أُمر به من التوكل بأعظم ذنبًا ممن فَعَل ما تُرك به توكلًا، وتَرَك فِعلَ ما أمر به من السبب؛ إذ كلاهما مُخِلّ ببعض ما وجب عليه، وهما مع اشتراكهما في جنس الذنب،