فهذان المعنيان بالنفس ليسا هما معنى الروح، ويراد بالنفس عند كثير من المتأخرين صفاتها المذمومة، فيقال: فلان له نفسٌ، ويقال: اترك نفسك، ومنه قول أبي مَرْثَد: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: أي رب كيف الطريق إليك؟ فقال: اترك نفسك، ومعلوم أنه لا يترك ذاته، وإنما يترك هواها وأفعالها المذمومة، ومثل هذا كثير في الكلام، يقال: فلان له لسان، فلان له يد طويلة، فلان له قلب، يراد بذلك لسان ناطق، ويد عاملة صانعة، وقلب حيّ عارف بالحق مريد له، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: ٣٧].
كذلك النفس لما كانت حال تعلقها بالبدن، يكثر عليها اتّباع هواها صار لفظ النفس يعبَّر به عن النفس المتبعة لهواها، أو عن اتباعها الهوى بخلاف لفظ الروح، فإنها لا يعبر بها عن ذلك إذ كان لفظ الروح ليس هو باعتبار تدبيرها للبدن.
ويقال: النفوس ثلاثة أنواع:
وهي: النفس الأمّارة بالسوء التي يَغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي.
والنفس اللوامة، وهي التي تُذنب وتتوب، فعنها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوّامة؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم أي تتردد بين الخير والشر.
والنفس المطمئنة، وهي التي تُحب الخير والحسنات وتريده، وتبغض الشر والسيئات وتكره ذلك، وقد صار ذلك لها خُلُقًا وعادةً وملكةً، فهذه صفات وأحوال لذات واحدة، وإلا فالنفس التي لكل إنسان هي نفس واحدة، وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه.
وقد قال طائفة من المتفلسفة الأطباء: إن النفوس ثلاثة: نباتية محلها الكبد، وحيوانية محلها القلب، وناطقية محلها الدماغ، وهذا إن أرادوا به أنها ثلاثُ قُوًى تتعلق بهذه الأعضاء، فهذا مُسَلَّمٌ، وإن أرادوا أنها ثلاثة أعيان قائمة بأنفسها فهذا غلطٌ بَيِّنٌ.