للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: "عن سيار"، والمدلس إذا قال: "عن" لا يُحتجّ به إلا إن ثبت سماعه من جهة أخرى، فروى المصنّف رحمه الله تعالى حديثه هذا عن شيخين، وهما: سُريج ويعقوب، فأما سُريج فقال: حدثنا هشيم، عن سيار، وأما يعقوب فقال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا سيار، فَبَيَّن المصنّف رحمه الله تعالى اختلاف عبارة الراويين في نقلهما عبارته، وحَصَلَ منهما اتصال حديثه، لم يقتصر على إحدى الروايتين، وهذا من عظيم إتقانه، ودقيق نظره، وحسن احتياطه، رحمه الله تعالى. قاله النوويّ رحمه الله تعالى (١).

وقوله: (فيما استطعتُ) قال في "الفتح": رَوَيناه بفتح التاء وضمها، وتوجيههما واضح، والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايَعُ عليها هو ما يطاق، كما هو المشترط في أصل التكليف، ويُشعر الأمر بقول ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة، وما يقع عن خطأ وسهو. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: قوله: (فيما استطعتُ) رَوَيناه بفتح التاء على مخاطبته إياه، وعلى هذا فيكون قوله: "فيما استطعت" من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مخاطبًا له به، فلا يحتاج إلى التلفّظ بهذا القول، ورَوَيناه بضمّ التاء للمتكلّم، وعلى هذا فيكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينطق بهذا اللفظ، فكأنه قال له: قل: فيما استطعتُ، وعليه فيحتاج جرير إلى النطق بذلك امتثالًا للأمر، وعلى الوجهين، فمقصود هذا القول التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايَع عليها هو ما يُطاق، ويُستطاع، كما هو المشترط في أصل التكليف، كما قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، ويُشعر الأمر بقول ذلك اللفظ في حال المبايعة بالعفو عن الهفوة، والسقطة، وما وقع عن خطأ، أو تفريط. انتهى كلام القرطبيّ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يؤيّد رواية ضمّ التاء ما وقع عند النسائي من رواية أبي وائل، والشعبيّ، عن جرير بلفظ: "قل: فيما استطعتُ"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٤٠.
(٢) "فتح" ١/ ١٦٨.