للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد أخرج أبو داود، والترمذيّ، وحَسّنَه، وغيرهما من حديث سلمان - رضي الله عنه - رفعه: "إن ربكم حييّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يرُدَّهما صِفْراً" - بكسر المهملة، وسكون الفاء - أي: خالية، وسنده جيد.

قال الطبريّ: وكره رفع اليدين في الدعاء ابن عمر، وجبير بن مطعم، ورأى شُرَيحٌ رجلاً يرفع يديه داعياً، فقال: من تتناول بهما، لا أمّ لك؟، وساق الطبري ذلك بأسانيده عنهم.

وذكر ابن التين عن عبد الله بن عمرو بن غانم أنه نقل عن مالك أن رفع اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء (١)، قال: وقال في "المدونة": ويختصّ الرفع بالاستسقاء، ويجعل بطونهما إلى الأرض.

وأما ما نقله الطبريّ عن ابن عمر، فإنما أنكر رفعهما إلى حذو المنكبين، وقال: ليجعلهما حذو صدره، كذلك أسنده الطبريّ عنه أيضاً، وعن ابن عباس أن هذه صفة الدعاء.

وأخرج أبو داود، والحاكم عنه من وجه آخر، قال: المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال أن تمدّ يديك جميعاً.

وأخرج الطبريّ من وجه آخر عنه، قال: يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه.


(١) هذا هو الصحيح في وجه كراهة مالك لرفع اليدين في الدعاء، وهو عدم كونه من أمر الفقهاء، ولعلهم لم يصحّ عندهم ما صحّ عند غيرهم من أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في الدعاء كثيراً.
وأما ما قاله القرطبي في "المفهم" من أن مالكاً إنما كرهه مخاقة اعتقاد الجهة، فغير صحيح؛ لأن هذا هو مذهب المتكلّمين الذين لا يُثبتون علوّ الله تعالى على عرشه، كما يليق بجلاله، ويؤوّلون كل ما جاء من ذلك تأويلاً سخيفاً، وأما السلف أهل الحقّ والهدى، فإنهم يثبتون ما أثبته من علوه على عرشه، كما يليق بجلاله، فتفطّن، فإن هذا مما زلّت فيه أقدام المتأخّرين من المتكلمين ومن سار على دربهم الذين انصبغت أفكارهم بأفكار الجهميّة، والمعتزلة، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.