(عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ) - رضي الله عنه -، وفي رواية يحيى القطّان، عن سعيد، عن قتادة التالية:"أن أنساً حدَّثهم"، فصرّح قتادة بالتحديث، فانتفت تهمة التدليس عنه (أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ، إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ) ظاهره نفي الرفع في كلّ دعاء غير الاستسقاء، وهو مُعارَض بالأحاديث السابقة التي أثبتت الرفع في غير الاستسقاء، وقد تقدم أنها كثيرة.
فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى، وحَمَلَ حديث أنس على نفي رؤيته، وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره.
وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يُحمل النفي على صفة مخصوصة، إما على الرفع البليغ، ويدلّ عليه قوله:"حتى يُرَى بياضُ إبطيه"، ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مدّ اليدين وبسطهما عند الدعاء، وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد، فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه، وبه حينئذ يرى بياض إبطيه، وإما على صفة رفع اليدين في ذلك، كما رواه مسلم من رواية ثابت، عن أنس:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء"، ولأبي داود من حديث أنس أيضاً:"كان يستسقي هكذا، ومدّ يده، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه".
وقال النوويّ: هذا الحديث ظاهره يوهم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وليس الأمر كذلك، بل قد ثبت رفعه - صلى الله عليه وسلم - يديه في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء، وهي أكثر من أن تحصى، وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثاً من "الصحيحين"، أو أحدهما، وذكرتها في أواخر "باب صفة الصلاة" من "شرح المهذَّب"، فيتؤول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ، بحيث يرى بياض أبطيه إلا في الاستسقاء، أو أن المراد لم أره يرفع، وقد رآه غيره، فيُقدَّم المثبتون في مواضع كثيرة، وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك، ولا بُدَّ من تأويله؛ لما ذكرناه، والله أعلم. انتهى (١).