للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لهذا الحديث، والأطبّاء يقولون: إن أنفع المياه ما لم يُختزن، كاختزانه في المراجل. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "فلا يُمتهن … إلخ" مما لا دليل عليه، وكذا قوله: "واختار بعضهم … إلخ"؛ لأن هذا الحديث لا يدلّ عليه، وإنما يدلّ على التمطّر في أول نزول المطر، ولم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتكلّف للطهارة بماء المطر، بل كان يتطهّر غالباً بماء الآبار ونحوها، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ - رحمه الله -: معنى حديث عهد بربه؛ أي: بتكوين ربّه إياه، ومعناه أن المطر رحمةٌ، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها، فيُتَبَرَّك بها، قال: وفي هذا الحديث دليلٌ لقول أصحابنا: إنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته؛ ليناله المطر، واستدلوا بهذا، وفيه أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئاً لا يعرفه أن يسأله عنه؛ ليعلمه، فيعملَ به، ويُعَلِّمه غيره. انتهى.

وقال القاضي عياضٌ - رحمه الله -: قال بعض أهل المعاني: معناه: حديث عهد بالكون بإرادة الرحمة؛ لقوله تعالى: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} الآية [لأعراف: ٥٧]، وقوله: {مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ} الآية [ق: ٩]، وقوله: {مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} الآية [الفرقان: ٤٨، ٤٩]، بخلاف ما أخبر به عنه فيما يقرب عهد كونه بإرادة الغضب والسخط وخوفه، وذلك عند هبوب الرياح، وطلوع السحاب حتى تُمطر، كما جاء في الحديث الآخر: "إنه إذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك في وجهه، وأقبل، وأدبر، فإذا أمطرت سُرّ به"، ويقول: "إني خشيتُ أن يكون عذاباً سُلّط على أمتي"، فقد خشي - صلى الله عليه وسلم - أن تعمّهم عقوبة بذنوب العاصين منهم، ويقول إذا رأى المطر: "رحمة"، وقد ذكر مسلم أحاديث في هذا المعنى. انتهى كلام القاضي - رحمه الله - (٢).

[فائدة]: قال الإمام ابن القيّم - رحمه الله -: الغيث مذكور في القرآن في عدة مواضع، وهو لذيذ الاسم على السمع، والمسمَّى على الروح والبدن، تبتهج الأسماع بذكره، والقلوب بوروده، وماؤه أفضل المياه، وألطفها، وأنفعها،


(١) "مكمل إكمال الإكمال" ٣/ ٤٩.
(٢) "إكمال المعلم" ٣/ ٣٢٥.