قال الطيبيّ:"السماء" هنا بمعنى السحاب، وتَخَيَّلت السماءُ: إذا ظهر في السماء أثر المطر، وقال أبو عبيدة: تخيّلت من الْمَخِيلة بفتح الميم، وكسر المعجمة، بعدها تحتانيّةٌ ساكنة، وهي سحابة فيها رعدٌ وبرقٌ، يُخيَّل إليه أنها ماطرةٌ؛ يعني: سحابة يُخال فيها المطر، وتكون مظنّةً للمطر، وقال ابن الأثير: الْمَخيلة السحابة التي يُظنّ أن فيها مطراً، وتخيّلت السماء: إذا تغيّمت. انتهى (١). (تَغَيَّرَ لَوْنُهُ) أي: من خشية الله تعالى، ومن رأفته على أمته، وتعليماً لهم في متابعته (وَخَرَجَ) من البيت تارةً (وَدَخَلَ) تارةً أخرى (وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ) أي: فلا يستقرّ في حال واحد (فَإِذَا مَطَرَتْ) أي: السحاب، وفي رواية للبخاريّ:"فإذا أمطرت السماء"، من الإمطار، قال الحافظ: وفيه ردّ على من زعم أنه لا يقال: أمطرت إلا في العذاب، وأما في الرحمة، فيقال: مطرت. انتهى. والحاصل أنه يقال: مطرت، وأمطرت في الرحمة بالوجهين (سُرِّيَ عَنْهُ) بضمّ السين المهملة، وتشديد الراء، مبنيًّا للمفعول؛ أي: كُشف عنه الخوف وأُزيل عنه الحزن (فَعَرَفْتُ ذَلِكَ) أي: التغيّر المذكور (فِي وَجْهِهِ) - صلى الله عليه وسلم - (قَالَتْ عَائِشَةُ) - رضي الله عنها -: (فَسَأَلْتُهُ) أي: عن سببه، وفي بعض النسخ:"فعَرَفت ذلك عائشة، فسألته"(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("لَعَلَّهُ) أي: لعلّ هذا السحاب (يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ) الإضافة للبيان؛ أي: مثل الذي قال في حقّه قوم عادٍ: هذا عارضٌ ممطرنا، كما بيّنه تعالى بقوله:{) فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي: السحاب {عَارِضًا} أي: سحاباً عارضاً، قال ابن الأثير: العارض السحاب الذي يعرض في السماء {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي: صهاريهم، ومحل مزارعهم {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} أي: سحاب عَرَض ليمطرنا، قال الله تعالى ردًّا عليهم:{بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} أي: من العذاب {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)} [الأحقاف: ٢٤، ٢٥]، فظهرت منه ريح، فأهلكتهم، فلا ينبغي لأحد أن يأمن من عذاب الله تعالى.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد سبق بيان مسائله في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.