وقولها:(عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ) ببناء الفعل للفاعل، والتاء ضمير المتكلّم، و"الكراهية" منصوب على المفعوليّة، ويَحْتَمل أن يكون بالبناء للمفعول، و"الكراهيةُ" بالرفع على أنه نائب الفاعل.
وقوله:(مَا يُؤَمِّننِي إَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَاب)"ما" استفهاميّة؛ أي: أيُّ شيء يجعلني آمناً من كون العذاب فيه؟.
وقوله: (قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} قال في "الفتح": ظاهر هذا أن الذين عُذِّبوا بالريح غير الذين قالوا ذلك؛ لما تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرةً كانت غير الأولى، لكن ظاهر آية الباب على أن الذين عُذبوا بالريح هم الذين قالوا: هذا عارض، ففي هذه السورة:{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} الآيات، وفيها:{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأحقاف: ٢٤].
وقد أجاب الكرمانيّ عن الإشكال بأن هذه القاعدة المذكورة إنما تَطِّرِد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على أنها عين الأول، فإن كان هناك قرينة كما في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف: ٨٤] فلا. ثم قال: ويَحْتَمِل أن عاداً قومان: قوم بالأحقاف، وهم أصحاب العارض، وقوم غيرهم.
قال الحافظ: ولا يخفى بعده، لكنه مُحْتَمِلٌ، فقد قال تعالى في سورة النجم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠)}، فإنه يُشعِر بأن ثَمّ عاداً أخرى.
وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسنٍ (١)، عن الحارث بن حسّان
(١) قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- في "مسنده" (١٥٥٢٤): حدّثنا زيد بن الحباب، قال: حدّثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحويّ، قال: حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكريّ، قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرميّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمررت بالرَّبَذَة، فإذا عجوز من بني تميم مُنقَطَعٌ بها، فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجةً، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فأتيت المدينة، فإذا المسجد غاصّ بأهله، وإذا راية سوداء تَخفق، وبلال متقلد =