أيضاً، وقال ثَعْلَبٌ: أجود الكلام: خَسَف القمرُ، وكَسَفت الشمسُ، وقال أبو حاتم في الفَرْق: إذا ذهب بعض الشمس، فهو الكُسُوف، وإذا ذهب جميعه، فهو الخُسُوفُ. انتهى.
وقال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه"؟ "باب هل يقول: كَسَفَت الشمسُ، أو خَسَفَت؟ "، وقال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨)} [القيامة: ٨]. انتهى.
قال الزين ابن الْمُنَيِّر -رَحِمَهُ اللهُ-: أَتَى بلفظ الاستفهام إشعاراً منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شيء.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: ولعله أشار إلى ما رواه ابن عُيينة، عن الزهريّ، عن عروة، قال:"لا تقولوا: كَسَفت الشمسُ، ولكن قولوا: خَسَفت"، وهذا موقوف صحيح، رواه سعيد بن منصور عنه، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه، لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه؛ لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، واختاره ثعلب، وذكر الجوهريّ أنه أفصح، وقيل: يتعين ذلك، وحَكَى عياض عن بعضهم عكسه، وغلّطه؛ لثبوته بالخاء في القمر في القرآن، وكأن هذا هو السرّ في استشهاد البخاريّ به في الترجمة، وقيل: يقال بهما في كل منهما، وبه جاءت الأحاديث، ولا شكّ أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف التغيُّر إلى سواد، والخسوف النقصان، أو الذلّ، فإذا قيل في الشمس: كَسَفت، أو خَسَفت؛ لأنها تتغير، ويلحقها النقص، ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان.
وقيل: بالكاف في الابتداء، وبالخاء في الانتهاء، وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء، وبالخاء لبعضه، وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف لتغيره. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخَّص مما ذُكر أن الراجح جواز إطلاق الكسوف، والخسوف لكل من الشمس، والقمر؛ لورود النصوص الكثيرة بذلك، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.