(فَكَبَّرُوا، وَادْعُوا اللهَ، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا) فيه الحثّ على هذه الطاعات، وهوأمر استحباب، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
واستدلّ به على مشروعيّة الصلاة في خسوف القمر، وسيأتي الكلام عليه قريباً.
(يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ) فيه معنى الإشفاق، كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله: يا بُنيّ، كذا قيل، وكان قضيّة ذلك أن يقول: يا أمتي، لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة، وكأنها بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف، لما في الإضافة إلى الضمير من الإشعار بالتكريم، ومثله:"يا فاطمة بنت محمد، لا أُغني عنك من الله شيئاً … " الحديث.
وفي رواية البخاريّ:"والله يا أمة محمد"، بتقديم اليمين تأكيداً وتعظيماً لشأن الخبر.
(إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ)"إن" نافية تعمل عمل "ليس"، "أحدٌ" اسمها، و "من" زائدة، و"أغيرَ" بالنصب على أنه خبرُها، أو هو مجرور صفة لـ "أحد"، وجرّه بالفتحة؛ لكونه غير منصرف، والخبر محذوف؛ أي: موجود، وفي رواية البخاريّ:"ما من أحد"، فـ "ما" حجازيّة إعرابها كإعراب "إن" المذكور، ويجوز كون "ما" تميميّة، كقوله:
و"أغير" أفعل تفضيل، من الغَيْرَة - بفتح الغين المعجمة - وهي في اللغة: تغيّر يحصل من الْحَمِيّة والأَنَفَة، وأصلها في الزوجين، والأَهْلِين، وكلّ ذلك محالٌ على الله تعالى؛ لأنه منزّه عن كلّ تغيّر ونقص، فتعيّن حمله على المجاز، فقيل: لما كانت ثمرة المغيرة صونَ الحريم، ومنعهم، وزجر من يقصد إليهم، أطلق عليه ذلك، لكونه مَنَع من فعل ذلك، وزجر فاعله وتوعّده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتّب عليه. وقال ابن فُورك: المعنى: ما أحد أكثر زجراً عن الفواحش من الله، وقال: غيرة الله ما يُغيّر من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة، أو في أحدهما، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: ١١].