الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: ولعلّ تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى؛ لتنزهه عن الزوجة، والأهل ممن يتعلّق بهم المغيرة غالباً. انتهى.
(يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ) صدّر - صلى الله عليه وسلم - كلامه باليمين؛ لإرادة التأكيد للخبر، وإن كان لا يُرتاب في صدقه (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ) أي: من عظيم قدرة الله، وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل: معناه لو دام علمكم كما دام علمي؛ لأنه متواصل بخلاف غيره، وقيل: معناه لو علمتم من سعة رحمة الله، وحلمه، وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك.
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: يعني: ما يعلم هو من أمور الآخرة، وشدّة أهوالها، ومما أُعدّ في النار من عذابها وأنكالها، ومما أُعدّ في الجنّة، من نعيمها وثوابها، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قد كان رأى كلّ ذلك مشاهدةً وتحقيقاً، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - متواصل الأحزان، قليل الضحك، جلُّهُ التبسّم. انتهى (١).
(لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً) قال الباجيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يريد - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى قد خضه بعلم لا يعلمه غيره، ولعله ما رآه في مقامه من النار، وشناعة منظرها.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم، وشدّة عقابه، وأهوال القيامة، وما بعدها كما علمت، وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره، لبكيتم كثيراً، ولقلّ ضحككم لفكركم فيما علمتموه.
ولا يخفى أنهم علموا بواسطة خبره إجمالاً، فالمراد التفصيل، كعلمه - صلى الله عليه وسلم -، فالمعنى: لو تعلمون ما أعلم كما أعلم، والله تعالى أعلم، قاله السنديّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وقال في "الإعلام": وقيل: معناه: لو دام علمكم كما يدوم علمي به لبكيتم؛ لأن علوم الأنبياء متواصلة لا يلحقها سهو، وعلومنا يدخل عليها الغفلات والجهالات بالانهماك في الشهوات، فتركن النفوس إلى البطالة حتى تصدأ، فلا يصقلها إلا الذكر.