للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن هذه النصوص صريحة في استحباب الصلاة جماعة في خسوف القمر، كما يستحبّ ذلك في كسوف الشمس، في ذهب إليه الجمهور هو الحق، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في استحباب الخطبة للكسوف:

قال في "الفتح": اختُلف في الخطبة فيه، فاستحبّها الشافعيّ، وإسحاق، وأكثر أصحاب الحديث، قال ابن قدامة: لَمْ يبلغنا عن أحمد ذلك، وقال صاحب "الهداية" من الحنفيّة: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لَمْ يُنقل.

وتُعُقّب بأن الأحاديث ثبتت فيه، وهي ذات كثرة، والمشهور عند المالكيّة أن لا خطبة لها، مع أن مالكًا رَوَى الحديث، وفيه ذكر الخطبة. وأجاب بعضهم بأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يقصد لها خطبةً بخصوصها، وإنما أراد أن يبيّن لهم الردّ على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس.

وتعقّب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها (١) من الحمد، والثناء، والموعظة، وغير ذلك، مما تضمّنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلَّا بدليل.

وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور، وقال: إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معيّن، بعد الإتيان بما هو المطلوب منها، من الحمد، والثناء، والموعظة، وجميعُ ما ذكر من سبب الكسوف، وغيره هو مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسي بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف.

نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين؛ إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنيّر في


(١) في كون هذه الأشياء شرطًا في صحّة الخطبة نظر لا يخفي، وإن قال به الشافعيِّ، والراجح أنَّها من مستحبّات الخطبة، كما سبق بيان ذلك مستوفى في، كتاب الجمعة"، فتبصّر.